إن ما يعانيه الشعب السوري من نقصٍ في الأدوية، والكوادر الطبية، والأجهزة والمعدات الطبية، وقد كثر الدجالون الذين يدعون القدرة على العلاج وحل المشاكل المستعصية جعلت الكثير من السوريين يلجأون إلى هؤلاء المشعوذين، أو إلى الطب البديل، المسمى بالطب العربي أو الطب الشعبي، الذي بات الكثير من هؤلاء الذين يخدعون الناس، ويدعون بأنهم يعالجون كافة الأمراض المستعصية، مقابل المال، وربما يكون المبلغ المدفوع لهم قليل مقارنةً، بوصفة الطبيب المختص، ولكن يجمعون المال الكثير لكثرة المرضى الذين يتوافدون إليهم، حيث أصبح عدد مزارات الدجالين الذين يدعون الطب الشعبي، يزاحم عدد العيادات والمستشفيات الطبية.
وللأسف لقد كثر هؤلاء الذين يدّعون بأنهم يُعالجون أكثر الأمراض استعصاءً على العلاج مثل السرطان وتليف الكبد والفشل الكلوي، وغيرها من الأمراض المستعصية. ويوهمون الناس بقدرتهم الخارقة على علاج الأمراض المستعصية عن طريق قراءة بعض الآياتٍ القرآنية، برغم أنهم لا يحفظون القرآن الكريم، فهم يخدعون البسطاء وغير البسطاء من الناس بهذا الوهم الكبير وأنهم عالجوا مرض السرطان في مواقع كثيرة من الجسد البشري، حيث ادّعى أحدهم أنه عالج سرطان القولون والمبيض والكبد وأمراض تليف الكبد والفشل الكلوي ويستشهد بمرضى لا نعرف من أين اتى بهم، وادعّى أن لديه العديد من الحالات المستعصية التي لم يجدِ فيها الطب الحديث وقام هو بعلاجها، وبعد أشهر تبيّن أن لا صحة لجميع ما ادعاه من هذه المعجزات الطبية.
“الدكتور أحمد” طبيب أخصائي بالأمراض الداخلية، في ريف إدلب الجنوبي، حدثنا عن هؤلاء المشعوذين وقال: النفس البشرية ضعيفة بشكلٍ غريب، وخلال عملي في الطب رأيت أموراً كثيرة مُثيرة للجدل، رأيتُ أشخاصاً في قمة العقلانية ويحملون أعلى الشهادات، ولكن عندما يقف الطب الحديث عاجزاً عن حل مشاكل طبية معروفة بأن الشفاء منها غير وارد، فإنهم يلجأون إلى الطب البديل بجميع أنواعه، أعرف أطباء استشاريين اصيبوا بفشل كلوي، وفشلت زراعات كلُى آخرى لهم، فلجأوا إلى مشعوذين بحثاً عن حلٍ لمشكلاتهم الصحية المعقّدة، وإلا كيف يمكن تفسير لجوء شخص متعلم، طبيب استشاري يعلم أن الفشل الكلوي لا يمكن علاجه بالأعشاب أو بالقراءة أو بالماء والزيت المقري عليهما، ومع ذلك يلجأ إلى هذه الأمور بعد أن فشل الطب في علاج مشكلته الصحية المعقّدة، ولكن يقول المثل “الغريق يتعلق بقشة” على حد تعبيره، أمثلة كثيرة لا يتسع المقال للحديث عنها ولكن هذه النفس البشرية، لا يستطيع أحد التنبؤ بما قد يفعل الشخص عندما يقع في مأزقٍ صحي صعب.
“أم مصطفى” من أهالي ريف إدلب تقول: إن إبنها يعاني من تشمع في الكبد منذ مايقارب السنتين، ولاتملك المال لكي تذهب إلى أحد مشافي العاصمة، لعلاج إبنها ولكن ذُكِرَ لها أن رجلاً قدِمَ من السعودية، وهو يعالج جميع الأمراض المستعصية، التي عجز الطب الحديث عنها، فذهبت إليه وهو يسكن في منزل أحد السوريين في ريف إدلب الجنوبي، فقصصت عليه قصة مرضِ إبنها الذي يعاني منها منذ عامين. فتقول لقد بدأ يقرأ عليه بعض الآيات القرآنية ولكن بصوت منخفض، ثم قام بوضع كاسات بلاستيكية على بطنه وفرغها من الهواء، حتى تجمع الدم مكان الكأس، ومن ثم قام بوخزه بالإبر حتى خرج الدم، وقام بتكرير العملية أكثر من مرة، وبعدها أعطاني بعض المساحيق العشبية، التي كانت بجانبه، وكأنه يعلم بقدومنا إليه مسبقاً للعلاج من مرض تشمع الكبد، ثم قال لي إغلي مقدار ملعقة في كأس ماء وإسقيه إياها كل صباح، ومن ثم راجعيني بعد إسبوع، وقال لا أريد سوى ثمن هذا المسحوق، 2000 ليرة سورية، لأن هذا المسحوق من الهند وهو غالي الثمن، وبعد إسبوع راجعته وأعطاني مسحوق من عشبة أخرى وقال هذه العشبة وصلتني منذ يومين وهي فعالة لهذا المرض، إستعمليها وعودي بعد إسبوع، وبقيت على هذه الحالة لمدة شهرين وقد أخذ مني 11 ألف ليرة سورية ولم نستفد أي شيء. هذه المرأة إحدى الضحايا الذين وقعوا بفخ هؤلاء المشعوذين.
وفي الآونة الأخيرة كثرت المحلات المختصة في بيع الأعشاب وصناعة الأدوية والمساحيق العشبية، دون أي رقابة أو المسائلة من أحد، وتلقى إقبال شديد من المرضى الذين يعانون من الفقر وليس بإمكانهم شراء الأدوية المستحضرة طبياً من الصيدليات.