يثير مستقبل سوريا الكثير من التكهنات، رغم أننا هنا إزاء مشكلتين أساسيتين، أولاهما، أن النظام نجح في تقويض إجماعات السوريين والتشويش عليها، ووضعهم في صورة نمطية وفقا لانتماءاتهم القَبْلية (الطائفية والمذهبية والإثنية والمناطقية والعشائرية)، وحشدهم في مواجهة بعضهم، إن لكسر مفهوم الثورة على النظام أو لتشويه مقاصدها. المشكلة الثانية ناجمة من واقع مفاده تعذّر قدرة السوريين على السيطرة على أحوالهم، إلى درجة بات معها التقرير بشأن سوريا المستقبل شأنا من شؤون القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا.
في هذا الإطار يأتي الجدل بخصوص الفيدرالية ليكشف عجز قوى الثورة عن إدارة نقاشاتها، أو تخبّطها في تحديد ما هو جيد لسوريا المستقبل، أو ما هو مناسب لصوغ إجماعات جديدة من عدم ذلك، وضمن ذلك ما يسهم في الحؤول دون إعادة نظام أو علاقات الاستبداد والتهميش.
ويبدو من ذلك أن رفض المحسوبين على الثورة، أو المتعاطفين معها، لفكرة الفيدرالية يصدر عن تسرّع ورؤية عاطفية وعصبية قومية وعن تحيّزات مسبقة، وبحكم التشكك بطبيعة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يقف وراءها، مع ميليشيات “الحماية الشعبية”، وأشكال الإدارة الذاتية التي أقامها في المناطق التي يسيطر عليها.
قوى الثورة والمعارضة في سوريا ينبغي أن تكون معنية بتوسيع هامشها، وأن تحرص على استقطاب كل القوى الكردية إلى جانبها، لا تتركها حائرة، في تخوفها من النظام والمعارضة، أو دفعها إلى أحضان النظام. كما ينبغي لقوى الثورة والمعارضة أن تحرص على تصويب المفاهيم لا تشويهها، وأن تضعها في سياقها لا التبرم منها.
هكذا، يفترض بقوى الثورة والمعارضة أن تفتح النقاش لا أن تغلقه، وأن تطرح كل الأسئلة، لا أن تشكك بها، لأن مستقبل سوريا مطروح للنقاش، والسوريون كلهم معنيون بهذا النقاش والمساهمة بتقديم إجابات بخصوصه. أما في ما يخصّ موضوعنا المتعلق بالجدل حول الفيدرالية، ولأغراض تصويب النقاش فيمكن طرح النقاط الآتية:
1- الفيدرالية لا تعني تقسيم أي بلد، بل هي شكل أصوب لتنظيم وحدته، والحؤول دون تغوّل المركز على الأطراف في شؤون المكانة والسيادة والموارد، وهو ما يضمن توسيع المشاركة في الحكم.
2- الفيدرالية تعني تقاسم الصلاحيات، لا تقسيمها، فثمة مركزية بما يخص شؤون الدولة السيادية إزاء الخارج، وفي شؤون الدفاع، والإدارة العامة للاقتصاد والدستور، وهذه كلها من شأن البرلمان الموحد والحكومة المركزية، أما إدارة الأمن والتعليم والصحة وشؤون التنمية المحلية، فهي من اختصاص الولايات أو الحكومات المحلية.
3- تتأسس الفيدراليات في مقاطعات أو ولايات على أساس جغرافي وليس على أساس إثني/ قومي أو ديني/ طائفي، لأنها في أي من هاتين الحالين يحصل إخلال بطابعها الديمقراطي، كما يعني ذلك أننا لسنا إزاء دولة مواطنين، أحرار ومتساوين، وإنما إزاء دولة تبنى على أساس عصبيات أو جماعات هوياتية، طائفية أو إثنية، وهو ما حصل في لبنان وما يحصل في العراق.
4- تبعا لما تقدم ثمة ارتباط وثيق بين الفيدرالية والديمقراطية والليبرالية (بمعنى الحريات والحقوق السياسية)، ففي الدولة الفيدرالية الديمقراطية الليبرالية ليست ثمة حاجة إلى تعريف المواطن بقوميته أو دينه أو جنسه، إذ الدستور يعترف بالمكانة الحقوقية المتساوية لكل مواطنيه، رجالا ونساء، بغض النظر عن الدين والطائفة والقومية والإثنية.
5- الدولة الديمقراطية الفيدرالية هي نقيض الاستبداد والتسلط، اللذين تفضي إليهما الدولة المركزية، بطريقة أو بأخرى.
لا ينبغي أن يذهب الخلاف مع جماعة سياسية معينة إلى خلط المفاهيم أو تشويهها، فانتهاج إسرائيل للديمقراطية، كنظام سياسي مثلا، لا ينبغي أن يجعلنا نعادي الديمقراطية، أيضا ملاحظتنا أن ثمة ظرفا غير مناسب لطرح معين، لا يعني عدم طرح هذا التصور للنقاش، لتطويره ووضعه في سياقاته التي تخدم العملية الثورية والإجماعات الوطنية في إطار مجتمع معين.
الفيدرالية صنو الديمقراطية، بل إنها ديمقراطية معزّزة، ووحدة معززة بمشاركة شعبية أوسع في طريقة صنع الخيارات وإدارة السياسات. لذا الأجدى لقوى المعارضة في سوريا، التركيز على قيام دولة مواطنين متساوين، ديمقراطية وفيدرالية، وفقا لنظام برلماني، بدلا من النظام الرئاسي، فهذا ما تحتاجه سوريا في المرحلة الانتقالية، هذا ما ينهي الاستبداد، ويحول دون إعادة إنتاجه، هذا ما يفتح المجال لسوريا لكل السوريين.
في هذا الإطار يأتي الجدل بخصوص الفيدرالية ليكشف عجز قوى الثورة عن إدارة نقاشاتها، أو تخبّطها في تحديد ما هو جيد لسوريا المستقبل، أو ما هو مناسب لصوغ إجماعات جديدة من عدم ذلك، وضمن ذلك ما يسهم في الحؤول دون إعادة نظام أو علاقات الاستبداد والتهميش.
ويبدو من ذلك أن رفض المحسوبين على الثورة، أو المتعاطفين معها، لفكرة الفيدرالية يصدر عن تسرّع ورؤية عاطفية وعصبية قومية وعن تحيّزات مسبقة، وبحكم التشكك بطبيعة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يقف وراءها، مع ميليشيات “الحماية الشعبية”، وأشكال الإدارة الذاتية التي أقامها في المناطق التي يسيطر عليها.
قوى الثورة والمعارضة في سوريا ينبغي أن تكون معنية بتوسيع هامشها، وأن تحرص على استقطاب كل القوى الكردية إلى جانبها، لا تتركها حائرة، في تخوفها من النظام والمعارضة، أو دفعها إلى أحضان النظام. كما ينبغي لقوى الثورة والمعارضة أن تحرص على تصويب المفاهيم لا تشويهها، وأن تضعها في سياقها لا التبرم منها.
هكذا، يفترض بقوى الثورة والمعارضة أن تفتح النقاش لا أن تغلقه، وأن تطرح كل الأسئلة، لا أن تشكك بها، لأن مستقبل سوريا مطروح للنقاش، والسوريون كلهم معنيون بهذا النقاش والمساهمة بتقديم إجابات بخصوصه. أما في ما يخصّ موضوعنا المتعلق بالجدل حول الفيدرالية، ولأغراض تصويب النقاش فيمكن طرح النقاط الآتية:
1- الفيدرالية لا تعني تقسيم أي بلد، بل هي شكل أصوب لتنظيم وحدته، والحؤول دون تغوّل المركز على الأطراف في شؤون المكانة والسيادة والموارد، وهو ما يضمن توسيع المشاركة في الحكم.
2- الفيدرالية تعني تقاسم الصلاحيات، لا تقسيمها، فثمة مركزية بما يخص شؤون الدولة السيادية إزاء الخارج، وفي شؤون الدفاع، والإدارة العامة للاقتصاد والدستور، وهذه كلها من شأن البرلمان الموحد والحكومة المركزية، أما إدارة الأمن والتعليم والصحة وشؤون التنمية المحلية، فهي من اختصاص الولايات أو الحكومات المحلية.
3- تتأسس الفيدراليات في مقاطعات أو ولايات على أساس جغرافي وليس على أساس إثني/ قومي أو ديني/ طائفي، لأنها في أي من هاتين الحالين يحصل إخلال بطابعها الديمقراطي، كما يعني ذلك أننا لسنا إزاء دولة مواطنين، أحرار ومتساوين، وإنما إزاء دولة تبنى على أساس عصبيات أو جماعات هوياتية، طائفية أو إثنية، وهو ما حصل في لبنان وما يحصل في العراق.
4- تبعا لما تقدم ثمة ارتباط وثيق بين الفيدرالية والديمقراطية والليبرالية (بمعنى الحريات والحقوق السياسية)، ففي الدولة الفيدرالية الديمقراطية الليبرالية ليست ثمة حاجة إلى تعريف المواطن بقوميته أو دينه أو جنسه، إذ الدستور يعترف بالمكانة الحقوقية المتساوية لكل مواطنيه، رجالا ونساء، بغض النظر عن الدين والطائفة والقومية والإثنية.
5- الدولة الديمقراطية الفيدرالية هي نقيض الاستبداد والتسلط، اللذين تفضي إليهما الدولة المركزية، بطريقة أو بأخرى.
لا ينبغي أن يذهب الخلاف مع جماعة سياسية معينة إلى خلط المفاهيم أو تشويهها، فانتهاج إسرائيل للديمقراطية، كنظام سياسي مثلا، لا ينبغي أن يجعلنا نعادي الديمقراطية، أيضا ملاحظتنا أن ثمة ظرفا غير مناسب لطرح معين، لا يعني عدم طرح هذا التصور للنقاش، لتطويره ووضعه في سياقاته التي تخدم العملية الثورية والإجماعات الوطنية في إطار مجتمع معين.
الفيدرالية صنو الديمقراطية، بل إنها ديمقراطية معزّزة، ووحدة معززة بمشاركة شعبية أوسع في طريقة صنع الخيارات وإدارة السياسات. لذا الأجدى لقوى المعارضة في سوريا، التركيز على قيام دولة مواطنين متساوين، ديمقراطية وفيدرالية، وفقا لنظام برلماني، بدلا من النظام الرئاسي، فهذا ما تحتاجه سوريا في المرحلة الانتقالية، هذا ما ينهي الاستبداد، ويحول دون إعادة إنتاجه، هذا ما يفتح المجال لسوريا لكل السوريين.
العرب