سیطرت القوات العراقیة على مفاصل كوكوك الأمنية ومواقعها النفطية بتقدم لم یشهد اشتباکات.
والمدينة المتنازع عليها كان من المنتظر أن تدق أبوابها صراعات عربية – كردية بعد استفتاء استقلال إقليم كردستان الذي أجرته أربيل في 25 من سبتمر الماضي، ولكن الانسحاب الكردي السريع لم يكن متوقعاً حينها.
والسؤال هو: ماذا جرى منذ أقل من شهر حيث أصبح الأكراد يخونون بعضهم؟ خاصة بعد أن كان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني يؤكد أن قوات الإقليم لن تنسحب من مناطق “سُفك دم كردي على ترابها”، في إشارة إلى مشاركة الكُرد في الحرب ضد تنظيم داعش في مناطق متنازع عليها مع بغداد وأبرزها كركوك.
خلافات قديمة جديدة
الخلافات الكردية – الكردية ليست جديدة، وفي التسعينات شهد إقليم #كردستان حرباً دموية بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني، وحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني.
حينها تقدمت قوات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التي تحظى بعلاقات جيدة بإيران نحو #أربيل، وانتزعت سيطرة عاصمة الإقليم من حزب بارزاني.
حينها ذهب الأخير إلى #بغداد وطلب العون من #صدام حسين، وعندها انتزع الجيش العراقي السابق سيطرة العاصمة من طالباني وسلمها لبارزاني.
تصالح الجانبان واستمرت المصالحة حتى يومنا هذا رغم الخلافات الكثيرة وما زال إقليم كردستان مقسما في الحكم، وتسيطر قوات الاتحاد الوطني على السليمانية، وتتحكم قوات الديمقراطي بأربيل ودهوك.
الجلي في الأمر أن حزب طالباني لم يكن بحماسة بارزاني وحزبه في طرح مسألة “تقرير المصير”، وکان جلال طالباني قبل إصابته بجلطة دماغية في العام 2012، الوسیط الأبرز لحل الخلافات بین بغداد وأربیل.
ولكن خروج طالباني من الساحة السياسية فتح المجال أمام بارزاني لطرح مسألة “تقرير المصير” بشكل أوضح.
بعد أن سيطرت قوات داعش على مناطق واسعة شمال العراق عام 2014، وإثر هزيمة القوات العراقية، سيطرت قوات البيشمركة الكردية على الكثير من المناطق المتنازع عليها مع بغداد، وأبرزها كركوك المنتجة للنفط.
حینها أعلن #بارزاني في مقابلة مع تلفزيون “صوت أميركا”، أنه حان وقت تعيين مصير الأكراد “وإقليم كردستان ليس معنيا بالمشاكل العراقية الداخلية”.
هجوم داعش على مناطق تحت سيطرة الأكراد حال دون إجراء الاستفتاء في تلك الفترة، وبعد طرد داعش من الكثير من المناطق العراقية، أعلن بارزاني يوم 25 سبتمر يوماً لاستفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق.
سكوت معارضي الاستفتاء
إعلان بارزاني لم يواجه ترحيباً كبيراً في السليمانية، بل عارضته بعض الوجوه، ومنها آلاء طالباني رئيسة كتلة الاتحاد الوطني في البرلمان العراقي، حيث أكدت أنها أقسمت على حفظ وحدة العراق ولن تؤيد الاستفتاء.
قبل الاستفتاء بيومين حذف بافل طالباني، نجل رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني، السبت، منشوره الذي أعلن من خلاله قبول المبادرة الأميركية بتأجيل استفتاء كردستان من صفحته على فيسبوك.
وكان بافل طالباني قد أعلن قبل ساعة تقريبا، أن الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني قررا قبول المبادرة الأميركية بتأجيل استفتاء استقلال كردستان المقرر أن يجري في 25 أيلول/سبتمبر الجاري.
وأصدر حزب الاتحاد الوطني بياناً في 24 سبتمر الماضي، أعلن دعمه للاستفتاء.
وفي متابعة للموضوع تبين أن الجو السائد في إقليم كردستان بسبب الدعايات الكثيرة والخطابات الإعلامية والمهرجانات الدعائية التي نظمها بارزاني ومؤيدوه، لم يعد بالإمكان أي معارضة لخطوة الاستفتاء، ومن يقوم بهذا يعتبر “خائناً” رغم أن بعض الشخصيات الكردية خاصة من حزب الاتحاد الوطني وحزب التغيير كانت تعتبر أن إجراء الاستفتاء في ذلك التاريخ ليس بمصلحة القضية الكردية.
الحكومة الاتحادية تبدأ التحرك
وبعد الاستفتاء عملت بغداد على تضييق الخناق على إقليم كردستان.
الخطوات التي قامت بها الحكومة الاتحادية معروفة، ومنها إغلاق المجال الجوي للإقليم أمام الرحلات الأجنبية، والعمل على إغلاق المعابر البرية للإقليم بالتعاون مع إيران وتركيا، وإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولي الاستفتاء.
وكانت هناك خطوة أهم، وهي التخويل الذي منحه البرلمان العراقي لرئيس الوزراء لإعادة سلطة الحكومة الاتحادية لجميع المناطق الواقعة خارج إقليم كردستان إداريا وجميع حقول النفط.
زعيم اقليم كردستان مسعود بارزاني
من خلال متابعة الأحداث نشاهد حرصاً من الحكومة العراقية لعدم الدخول بحرب دموية.
فيما أكد رئيس الوزراء العراقي، حيدر #العبادي، أن الحكومة الاتحادية سوف تفرض السيطرة على المناطق المتنازع عليها وحقول النفط “ليس بقوة السلاح بل بقوة الدستور والقانون”.
وقبل أسبوع، رفضت الحكومة العراقية إعلاناً لمجلس أمن إقليم كردستان يتحدث عن خطط عسكرية لبغداد بهدف السيطرة على كركوك.
ويبدو أن الحكومة العراقية تعلم أن أي حربٍ دموية مع الأكراد تفتح أبواب التدخل الأجنبي، خاصة الغربي للوساطة ولوقف إراقة الدماء، ما يفقدها زمام المبادرة.
رغم هذا بدأ التحرك العسكري العراقي أطراف كركوك، حيث أعلنت قیادة قوات البيشمركة أنها أعادت انتشار قواتها بغية عدم الاحتكاك بالقوات العراقية.
یبدو أن حرکة القوات العراقية بدأت بعد بعض الاتفاقات مع جهات كردية، خاصة أن قاسم #سليماني، قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني كان في السليمانية في الأيام الأخيرة.
ورغم الأنباء التي كانت تتحدث عن حشد قوات #البيشمركة للدفاع عن كركوك، إلا أن القوات العراقية بدأت تقدمها نحو المدينة في الساعات الأولى من يوم الاثنين 16 أكتوبر.
وتحدثت بعض وسائل الإعلام عن اشتباكات حصلت فجر الاثنين، ووثقت بعضها بصور وفيديوهات، ولكن معظم المواقع وأهمها سيطرت عليها القوات العراقية دون اشتباك من القوات الكردية.
آبار نفط مسروقة
تتحدث بعض التقارير عن انسحاب لقوات البيشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني من دون قتال.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي، آلا الطالباني، في مؤتمر صحافي: “لن نضحي بقطرة دم من أبناء كركوك من أجل آبار نفط مسروقة ذهبت أموالها إلى جيوب أحزاب وأشخاص”.
وقالت طالباني إن “بيشمركة الاتحاد الوطني كانوا دائماً في مقدمة المدافعين عن أبناء #كركوك وحمايتهم من الإرهاب والدواعش”.
وأضافت “لقد قدمنا آلاف الشهداء والجرحى في سبيل ذلك”.
وأكدت “سنبقى حماة لأهل كركوك بكل مكوناتهم”.
حرب التخوين
وخلال هذه الأحداث، أعلنت وسائل إعلام كردية وعراقية أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني اتهم قوات الاتحاد الوطني الكردستاني بالخيانة بعد أن سلم مواقعه للقوات الأمنية العراقية في كركوك.
كما أشارت المصادر إلى أن خلافات كبيرة اندلعت بين الطرفين، ما ينذر بحصول تصدع كبير في العلاقة بين الحزبين الكرديين.
وتحدثت وسائل إعلام كردية وإيرانية أن هيرو إبراهيم طالباني، زوجة الراحل جلال طالباني، اتهمت أمس الاثنين بارزاني “بالتواطؤ” من أجل مصالحه الشخصية.
الأجواء في إقليم كردستان مشحونة، والحرب الكلامية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين مشتعلة، والأوضاع في الإقليم متشنجة.. فهل الخلافات الكردية – الكردية سوف تقضي على حلم الاستقلال؟.
العربية نت