“الخروج من حلب” .. هو العنوان الذي اختاره المجتمع الدولي شعاراً للمرحلة المقبلة ، بعد أن تكشف عجز مجلس الأمن الدولي وهو يطالع تقارير المجازر والمآسي الإنسانية التي لا تتوقف منذ أن سيطر الجيش السوري والقوات المتحالفة معه لاسيما الروسية على شرق المدينة الأسبوع الماضي ، بعد أن ظلت صامدة لأكثر من أربع سنوات.
وقبل ساعات من صدور قرار مرتقب لمجلس الأمن بشأن نشر مراقبين دوليين في حلب ، فقد بدأت عملية إجلاء المدنيين والمصابين صباح اليوم باتجاه ريف حلب الغربي بالتزامن مع خروج أول دفعة من بلدتي كفريا والفوعة.
وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن اتفاقا روسيا – تركيا يقضي بخروج 4 آلاف شخص من بلدتي الفوعة وكفريا من حالات مرضية وأيتام وعوائل من خرجوا في وقت سابق من البلدتين إلى مناطق سيطرة قوات النظام بمدينة حلب، في حين من المقرر أن يجري بالتزامن ، نقل 1500 شخص وحالة مرضية من مدينة مضايا المحاصرة ونقلهم لمناطق أخرى، من أجل تلقي العلاج خلال الأيام الثلاثة القادمة .
والخروج العسير من حلب .. سبقته تحركات لأعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر تفاديا لفيتو روسي جديد بشأن تنظيم عملية إجلاء المقاتلين والمدنيين والجرحى والمصابين .
فقد شهدت الساعات الماضية تحركات دبلوماسية سريعة بهدف احتواء مشروعي القرارين الروسي والفرنسي حول عملية الخروج من حلب ونشر مراقبين دوليين على الأرض لمتابعة الأوضاع هناك .
وخلال جلسة المجلس مساء أمس الأحد تقدمت فرنسا بمشروع قرار يطالب بأن تكون الأمم المتحدة قادرة على عمليات الإجلاء من شرقي حلب وحماية المدنيين بالمدينة، كما يطالب مشروع القرار بإعادة نشر الموظفين الأمميين العاملين في المجال الإنساني، بهدف مراقبة ورصد عمليات الإجلاء.
ويؤكد المشروع الفرنسي أن عمليات الإجلاء يجب أن تكون (طوعية) وإلى وجهتها النهائية التي يختارونها، ويجب توفير الحماية لجميع المدنيين الذين يختارون أو الذين اضطروا للجلاء، أو الذين يختارون البقاء في منازلهم.
كما يدعو مشروع القرار الفرنسي إلى “نشر أفراد إضافيين إذا لزم الأمر والسماح بالدخول الفوري لهم، شرقي حلب، بدون عوائق”.
لكن في المقابل رفضت روسيا المشروع الفرنسي وتقدمت بتعديل ينص على توفير الحماية لجميع المدنيين (الذين يختارون أو الذين يجبرون على الإجلاء) والذين يختارون البقاء في منازلهم بشرقي حلب.
ويشدد مشروع القرار على أن عمليات الإجلاء “يجب أن تتم وفقا للقانون الإنساني الدولي ومبادئه، ويطالب جميع الأطراف بالوصول الفوري غير المشروط والآمن ودون عوائق للأمم المتحدة وشركائها، وذلك لضمان وصول المساعدات الإنسانية وتوفير الرعاية الطبية” .
ويطلب مشروع القرار الروسي من الأمين العام أن يقدم الترتيبات، بما في ذلك الأمنية، بالتنسيق مع الأطراف المعنية، للسماح لأفراد الأمم المتحدة بمراقبة حالة المدنيين المتبقين في حلب في ضوء القانون الإنساني الدولي .
وقال مراقبون إن روسيا تتحدث عن مدنيين سوف (يجبرون) على الخروج من حلب وهو ما لم ينص عليه المشروع الفرنسي ،فيما لم يذكر مشروع القرار الروسي الاستعانة بقوات إضافية خلافا للتوجه الفرنسي .
كان مندوب روسيا في مجلس الأمن فيتلي تشوركين قد لوح أمس باستخدام الفيتو ضد مسودة المشروع الفرنسي واصفا إياها بأنها ” كارثة ” وذلك قبل أن تطرح روسيا مشروعها للتصويت في وقت لاحق مساء اليوم .
ويتزامن اجتماع مجلس الأمن مساء اليوم مع انعقاد اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية بالقاهرة، بناء على طلب من دولة الكويت، لبحث تطورات الأوضاع في سوريا وخاصة المأساوية في مدينة حلب. وهو الاجتماع الثاني في أقل من أسبوع حيث قد سبقه اجتماع الخميس الماضي على مستوى المندوبين الدائمين برئاسة تونس لبحث الأوضاع المأساوية في حلب وذلك بناء على طلب من دولة قطر وأيدته عدد من الدول العربية .
ويستتبع عملية الخروج من حلب في شقها السياسي شق أكثر أهمية وهو الوضع الإنساني المأساوي لسكان المدينة الذين سينقلون اختيارا أو قسرا إما إلى (إدلب) أو إلى الحدود التركية في ظل طقس غاية في السوء في هذا الوقت من العام .
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة فإن خطة الاستجابة العاجلة المقررة للمناطق الأكثر تضررا في سوريا وعلى رأسها حلب حتى الأول من ديسمبر الجاري تبلغ 3.19 مليار دولار لم تتلق المنظمات الدولية منها سوى 43% فقط الأمر الذي انعكس سلباً على الخدمات المقدمة للمدنيين وعلى رأسها الأمن الغذائي والإيواء والصحة.
وإزاء هذا العجز الواضح في التمويل الأممي لاحتياجات المدنيين في حلب ، ضرب أهل قطر أروع الأمثلة في الإيثار والتكافل وحولوا العيد الوطني للدولة أمس إلى مظاهرة تبرع كبيرة تحت عنوان ” حلب لبيه ” لجمع ما يمكن أن يساهم في تخفيف المعاناة عن الفارين من حلب ، وبلغت قيمة التبرعات الشعبية إلى جانب عدد من المؤسسات والشركات والبنوك 245 مليون ريال قطري ( حوالي 67 مليون دولار أمريكي ) خلال يوم واحد ولا زالت الحملة مستمرة .
وقد اعترف تقرير أممي بالعجز عن الوصول بالمساعدات الإنسانية إلى المحاصرين والفارين من مناطق القتال داخل سوريا ، وقال التقرير إن إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين للمساعدة في سوريا ينطوي على تحديات قصـوى في مناطق كـثيرة بسـبب النـزاع الــدائر،وتغـير خطــوط التمـاس، والقيـود على حركـة الأشخاص والبضائع التي تفرضها عمدا الأطراف المتنازعة .
وقال التقرير إنه طيلة الشهر الماضي ، لم تصل سوى أربع قوافل مشـتركة بين الوكالات إلى ما مجموعـه 176 ألف شـخص في خمـس منـاطق محاصـرة ومواقـع يصـعب الوصـول إليهـا بما يشكل حوالي 19% فقط من مجمـوع 904 آلاف شـخص مدرجين في إطــار الخطــة العاجلة لإيصــال المســاعدات إلــيهم.
ولم يسلم الموظفون الأمميون العاملون في مجال الإغاثة من ممارسات النظام السوري فقد أشار تقرير أممي إلى أن 27 موظفا من موظفي الأمم المتحدة هم قيـد الاحتجـاز أو في عـداد المفقودين، ومنهم 26 موظفا في الأونـروا وموظـف واحـد في برنـامج الأمـم المتحـدة الإنمـائي كما قتــل عشــرات العــاملين في مجــال تقــديم المســاعدة الإنســانية، منــهم 20 موظفــا من موظفي الأمم المتحدة و 54 موظفا ومتطوعا في الهلال الأحمر السوري و 8 مـوظفين ومتطوعين في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وبالإضـافة إلى ذلـك، أبلغ عن مقتل العديد من العاملين في منظمات غير حكومية دولية ووطنية .
العرب القطرية
م . م/م.ب;