فقدان الأمن والاستقرار عقب مرور سنوات على الصراع في سوريا، حيث تهاوى نظام الرعاية الصحية ودُمرت المستشفيات، وفر العاملون في مجال الخدمات الطبية من البلاد، وتعطلت طرق الإمداد، بالإضافة إلى الفقر ونقص التغذية وارتفاع نسب التلوث إضافة إلى الضغوط النفسية، كل هذه الأسباب أسهمت مجتمعة في انخفاض نسبة الولادات في سوريا.
تتحدث تقارير طبية عن انخفاض نسبة الولادات في سوريا بنسبة 60% منذ بدء النزاع الدامي، الذي تسبب منذ منتصف مارس/آذار 2011، بنزوح أكثر من نصف السكان داخل سوريا، وتهجير أكثر من أربعة ملايين خارجها، ناهيك عن عدد القتلى الذي بلغ أكثر من نصف مليون بين مدني وعسكري، والهجرة إلى خارج البلاد خصوصاً الشباب الذين بلغوا سن الزواج، كان لها الأثر الأكبر في انخفاض نسبة الولادات في البلاد إلى هذا الحد المتدني.
الدكتورة مريم اليوسف طبيبة نسائية تعمل في أحد النقاط الطبية بريف إدلب الشمالي، تقول: “لقد ازدادت حالات الإجهاض بشكل كبير بسبب الخوف والرعب، والتنقل المفاجئ هرباً من القصف، والإصابة بأمراض تسمّم عديدة تعود في معظمها لعدم نظافة الأغذية وعدم إجراء التحاليل المناسبة والبدء المبكر بالمعالجة منها، كما زادت حالات الإجهاض المقصود بسبب ازدياد حالات الحمل غير المرغوب به، كما أن حالات الولادة القيصرية زادت بشكل ملحوظ بسبب رغبة الحامل بأن حملها في فترة النهار بأي شكل حتى لو كان بالقيصرية خوفاً من حدوث ولادة إسعافيه ليلية وعدم التمكن من الذهاب إلى المستشفى ليلاً، كما أن هناك الكثير من حالات الولادة الذاتية في المنزل وخاصة ليلاً، وعلى أيدي غير اختصاصية، وقد أدّى ذلك في بعض الحالات إلى موت الوليد بسبب عسر الولادة إضافة إلى حالات النزف الناجم عن عطالة رحمية بسبب عدم أخذ المقبّضات أو حدوث حالات تمزّق في عنق الرحم”.
الدكتور مازن من ريف حماة وكان يعمل في مشفى الأسد الجامعي كطبيب مقيم يقول: “إن سوريا “كانت تعد قبل الأزمة من الدول عالية الإنجاب بنصف مليون ولادة سنوياً، وسوريا كانت سابقاً تعاني مسألة زيادة الولادات كل عام إلا أنه في الأزمة انخفضت تدريجياً بشكل كبير”.
وفي هذا الإطار قالت سهام فرحان وهي نازحة من ريف حماة، وتسكن مع زوجها في خيمة بأحد المخيمات الموجودة في ريف إدلب، ” لقد أجهضت مرتين خلال سنة واحدة، المرة الأولى أجهضت بسبب الخوف، عندما سقط برميل وانفجر بالقرب من منزلنا قبل أن ننزح من بلدة كفرنبودة، والمرة الثانية أكد لنا الأطباء أن سبب الإجهاض، هو فقر الدم وسوء التغذية، معظم النساء لا ترغب في الحمل في أماكن الإيواء، وهو أمر متفق عليه بين الزوجين، إذ لا يوجد مكان لرعاية المولود الجديد، كما أنه فرد إضافي بحاجة إلى الطعام، بالإضافة إلى ذلك، تخشى النساء من حدوث مضاعفات الولادة حيث باتت القدرة على الحصول على الرعاية خلال فترة الحمل وخدمات الولادة الآمنة، بما في ذلك حالات الولادة الطارئة، محدودة للغاية”.
ظروف غير مناسبة لإنجاب الأطفال، وتأجيل الحمل لحين تستقر أوضاع سوريا، لأن الطفل الذي سوف يولد لا بد أنه بحاجة لأبوين يعشقان الحياة من جانب، ولا يرغب أن يكون ضحية إضافية لحرب فرضت عليه.
علي الحاج أحمد