مرت تركيا في ظل حكم الجمهوري بـ 93 عاما قاسيا وذلك وسط منطقة مضطربة، إذ شهدت خلال هذه الفترة نجاحات وإخفاقات، وانقلابات عسكرية وأمجادا.
خاضت الجمهورية التركية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك معركة قوية في مواجهة تحديات هائلة، في وقت حاولت القوى العالمية إيحاد أجندتها الخاصة بالنسبة إلينا، كانت الحرب الباردة تحديا آخرأ للجمهورية التركية، إذ كان يترتب عليها الحفاظ على علاقات مزعجة مع جارتها الشمالية الاتحاد السوفيتي، وأن تكون جزءا من حلف شمال الأطلسي.
في تلك السنوات شهدت تركيا سلسلة من الانقلابات العسكرية، ولا سيما عندما استولى الجيش على السلطة وعطّلت الحياة السياسية. بعد انقلاب 1980 أعدم الجيش رئيس الوزراء عدنان مندريس، ووزيرين من حكومته “حسن بولاتكان”، و”فطين رشدي زورلو” وبعد انقلاب 1971 وقعت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إذ أعدم العشرات من الناشطين اليساريين واليمينيين.
أعاد كل انقلاب بتركيا إلى الوراء عشرات من السنين، وعلى كافة الأصعدة.
وفي عام 1983 هزم الأتراك الأحزاب السياسية المدعومة من الجيش في الانتخابات، وشكّل مجيء “تورغوت أوزال” زعيم حزب الوطن إلى السلطة تجديدا لشباب الجمهورية التركية، ووضعها في مسار الإصلاح في المجالات كافة.
إلا أن تركيا انزلق نحو مرحلة صعبة بعيد وفاة أوزال عام 1993، وفي عام 2002 أعلن الشعب التركي أن “السيل بلغ الزبى” ، وجاء بحزب العدالة والتنمية الذي كان قد أسس لتوه بقيادة رجب طيب أردوغان إلى السلطة.
كانت تلك ثورة صامتة من الجماهير، وفي ظل حكم العدالة والتنمية أجرت تركيا إصلاحات، ووضعت البنية التحتية لا للمدن فحسب بل للبلدات والقرى أيضا. وفي عام 2007 حاول الجيش مرة أخرى الإطاحة بالحكومة المنتخبة لكنه لم ينجح، وفاز أردوغان في الانتخابات بنتيجة ساحقة ليضع بفوزه حدا للهيمنة العسكرية على السياسة.
ومنذ ذلك الحين تفوقت تركيا تحت قيادة أردوغان الذي تلقى دعما هائلا من الشعب التركي، ولا سيما في مجالات الاقتصاد والنظام المالي الفعال، والبنية التحتية التي ازدهرت، حتى صارت تركيا واحدة من أكبر 20 اقتصادا في العالم. وفي عام 2013 انتخب أردوغان رئيسا بحصوله على 52% من الأصوات الأمر الذي منحه سلطات كبيرة لإدارة البلاد.
قدم أردوغان لتركيا مفاهيم جديدة للسياسة الخارجية والأمن إلى جانب الإصلاحات الاجتماعية.
وهكذا صارت تركيا صوت البسطاء والمظلومين والبائسين في أنحاء العالم جميعها، إذ يعارض أردوغان أنواع الظلم كلها التي ترتكب بحق المظلومين في أنحاء العالم. الأمر الذي لم يلق استحسانا لدى القوى الغربية، فهي لا تحب ببساطة الزعيم الذي يريد العدالة للمظلومين بصدق، ووضع حد للاستعمار والاستغلال. لم ينل نهج أردوغان في أفريقيا لتحسين طبيعة الحياة وتعزيز الإمكانات الاقتصادية دون استغلال حسن نوايا الأفارقة، رضا القوى الغربية.
وعندما حاولت مجموعة من الإرهابيين ضمن الجيش القيام بانقلاب ضد أردوغان، فإن القوى الغربية في الواقع قد دعمتها، ناسية أن تركيا قد تغيرت، وأن الناس ببساطة لن تنحني لمدبري الانقلاب، إذ دعا أردوغان الشعب إلى مواجهة الانقلاب في الساحات والميادين، وتحدى الشعب دبابات الخونة وأسلحتهم وطائراتهم المقاتلة، وأنهيت محاولة الانقلاب، وكلفت ثمن إحباط محاولة الانقلاب لتركيا 246 شهيدا و2100 جريحا.
خرجت الجمهورية من محاولة الانقلاب أقوى من أي وقت مضى، وذلك بشعب أظهر بطولة غير متوقعة في سبيل صون الديمقراطية، استردت تركيا عافيتها بسرعة بإرسال قواتها إلى سوريا لوضع حد لسيطرة الإرهابيين على المناطق الحدودية، وأمنت بنجاح مساحات واسعة من الأراضي في شمال سوريا، ووجهت تركيا ضربات موجعة لحزب العمال الكردستاني في الداخل والخارج.
في ظل حكم أردوغان تمضي تركيا بدينامية، وتبقى أملا بالنسبة إلى المظلومين حول العالم. فلتحيا الجمهورية!