بقلم الدكتور: رمزي منصور
يعتبر التجويع الجماعي ممنوع أخلاقياً، حيث يُمحي حق الوجود الأخلاقي لمنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات التغذية العالمية. فكل حرب عادلة لها حدود، الادعاء بأن الهدف يبرر كل الوسائل هو ادعاء خبيث وخاطئ. تناولت العديد من النقاشات في فلسفة الأخلاق ومسألة الحدود المسموحة من ناحية أخلاقية ونفعية. حتى في غياب اتفاق نظري على مكان مرور الحدود بين الدولتين، فإن هناك اتفاقاً على أنه توجد حدود، وهي المعاناة الإنسانية.
هكذا هي إسرائيل والأعمال التي تتم باسمها حتى الآن في غزة من مجازر وإبادة جماعية بحق المدنيين الآمين في منازلهم الوضع الذي حدث في غزة هو تجاوز واضح للحدود وعلم أسود يرفرف الكيان الإسرائيلي. في بداية كانون الثاني قال الاقتصادي الأول في برنامج الغذاء العالمي، عريف حسين، إن 80% من إجمالي الأشخاص في العالم الذين يعيشون جوعاً كارثياً، يعيشون في غزة. حسب قوله هو لم يشاهد في أي يوم “شيئاً كهذا، شيئاً يشبه ما يحدث في غزة وبهذه السرعة”.
الوضع في غزة فريد مقارنة بأزمات أخرى، حيث يُحاصرون في منطقة جغرافية محدودة دون وجود إمكانية للبحث عن الطعام في أماكن أخرى. تقديرات منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” تشير إلى “أن مستوى الجوع ونقص الأمن الغذائي في غزة لم يسجل في أي يوم مثله”، وحسب تقديرات أخرى للأمن الغذائي في غزة. يعاني أكثر من 670 ألف مواطن غزي من الجوع، وأكثر من 870 ألف غزي موجودون في حالة طوارئ إنسانية. ويتبين أيضاً أنه إذا لم يتغير الوضع حتى منتصف تموز 2024 فإن نصف سكان قطاع غزة سيعانون من الجوع، فهو تجويع جماعي لبني البشر بشكل عام، وللنساء والأطفال والشيوخ بشكل خاص، هو أمر غير محتمل وغير مقبول دولياً وإنسانياً، التجويع يمس أيضاً الأسرى الفلسطينيين السابقين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى المعتقلين خلال فترة الحرب المستمرة على غزة فيعانون من شدة الجوع والإهمال الطبي. القيادة الحالية في إسرائيل تجعل الجميع شركاء في هذا التجويع، حيث يموت الناس بسبب الجوع والعطش، ويقتلون بعضهم البعض من أجل قطعة خبز، وأنهم يأكلون أعلاف الطيور ويشربون المياه الملوثة، لا يكفي كل هذا بل أن المؤسسات الدولية والإغاثية يٌقتلون أثناء عملهم الإنساني والأخلاقي في غزة.
عندما يشرب العالم القهوة في الصباح ويختار نوع الحليب المناسبة له (في كأس من الزجاج أو كأس من البلاستيك) يكون شريك في التجويع. عندما يفكر العرب والمسلمين بمائدة العيد والخروج لقضاء وقت ممتع، يكونوا شركاء في التجويع. عندما نناقش هل يجدر تقديم السمك على الطريقة المغربية أو الفسيخ نكون شركاء في التجويع. وحتى عندما ينام العالم في الليل يكون شركاء في التجويع.
لذلك، ليس من حق الجميع يسأل لماذا ندين إسرائيل على فعل كل هذه المجازر في محكمة العدل الدولية والمؤسسات الحقوقية، لأن الأعمال التي تحدث الآن هي أعمال غير أخلاقية بشكل واضح، بكل الخلافات السياسية بين إسرائيل وفصائل المقاومة بغزة هذا لا يعني أن يستحق المواطن الغزي الموت بسبب الجوع، أو القصف بصاروخ أو قذيفة مدفعية. لذلك على أولئك الذين يدعون الإنسانية ومتمسكون بالعدالة الدولية أن يسرعوا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في غزة جراء الحرب الشرسة التي لم تفرق بين الحجر والبشر وتمارس جميع سياسات التعذيب والتجويع المستمر.