“سناء” امرآة من ريف إدلب الجنوبي، لها من العمر واحدا وعشرين ربيعا، يتيمة الأبويين عاشت حتى الخامسة عشر مع جدتها ، ونظرا لثقل همها والخوف الدائم عليها والأهم من ذلك القلة المادية؛ تزوجت ولعبتها لم تزل على يدها.
ومنذ أن دخلت قفص الزوجية انطلقت حناجر السوريين هاتفين بالحرية، ففي الوقت الذي ظنت به “سناء” أنها سترتاح وترمي همها وضعفها على عاتق زوجها؛ كانت الفاجعة حين خرج زوجها “محمود”،في ليلة مظلمة من ليالي الشتاء القاسي باحثا عن علبة حليب يسد بها رمق “فاطمة ووليد “توأميه الصغريين؛ لكن رصاص القناص كان أسرع..
ولأن خبر السوء أسرع من أي شيء لم تعرف عينا “سناء” النوم يومها ولا لليالي طويلة أخرى، وهي تفكر في قسوة القدر وظلم البشر وتتامل طفليها الذين لم يكملا شهرا واحدا بعد ماذنبهما أن يعيشا يتمين ! لماذا عليها أن تبقى وحيدة في دروب حياة صعبة ؟ وكلما اشتد بكاء “فاطمة ووليد”اشتد معه تماسك “سناء “وقررت ألا تستسلم، ولم يكبح جماحها أنها لاتملك شهادة جامعية ولاحتى إعدادية فهي لم تكمل تعليمها، بل نظرت للثورة بإيجابية ولم تعاقبها على أنها حرمتها من سندها الوحيد “بل أصرت على الانخراط في صفوفها والعمل الشريف لتكسب قرش معيشتها مع طفليها دون مد اليد لأحد.
فهي تقطن في المناطق المحررة والتي شهدت بأم عينها التضحيات الجسام التي قدمها غيرها للوصول الى الحرية والخلاص من الحواجز والسلطة الأسدية، ومنذ ذلك التحرر انتشرت في مناطقها العديد من المراكز التي آخذت على عاتقها “تمكين المرآة “ومد يد العون لها بغض النظر عن اسمها وعائلتها وسنها وشهادتها، يكفي فقط أن تكون امرآة سورية تعيش في ظروف الثورة.
انخرطت” سناء ” كمئات غيرها من النساء في أحد المراكز، وبدأت تخضع لدورات مكثفة ومجانية في الخياطة والنسيج والتطريز.
حتى أن الثورة راعت حرمة الأمومة، فلم تحرمها من أبنائها بل كانت داعمة لها فالمركز الذي تتدرب فيه يحوي حضانة ايضا وهي بذلك تصطحب صغيريها معها ليطمئن قلبها ولاتحزن، ومن أهل الخير الذين لم يقل عددهم رغم القلة والضيق كانت تؤمن مصروفها اليومي ريثما قوي عودها واشتد، وأصبحت من المتمرسات في عملها؛ ونساء بلدتها بأكملهن يقصدن بيتها المتواضع لتقدم لهن أعمال الخياطة بفن وحرفية رائعة لاتمتلكها الكثير من مثيلاتها.
ولإخلاص “سناء “وتفانيها في عملها ونشاطها المعهود وبسمتها التي لاتغادر وجهها رغم كل ماعانت؛ فقد وقع عليها الاختيار بعد انتهاء دورات التأهيل في المركز لتنضم إلى الكادر المدرب، وبهذا تحصل على دخل ثابت يقيها مع طفليها الفاقة ويدفع عنها نظرة الشفقة التي كانت تلازمها حتى قبل قيام الثورة حين كانت يتيمة.
“سناء”مثال من آلاف الآمثلة التي سطرتها النساء في بلدي واللواتي نسجن من رحم الألم خيوط أمل تمتد لأجيال متلاحقة تروي قصة شعب عظيم وثورة عظيمة رغم أنف المحبطين.
المركز الصحفي السوري _ شاديا الراعي