الثورة السورية قامت ضد نظام أوغل في دماء شعبه من جميع الطوائف، دون أن يستثني منهم أحدا، ويحق لها أن تحاكم كل من ارتكب جرائم بحق السوريين
جدل عقيم وألم وحوار طرشان سمة هذه المرحلة السورية العسيرة، ففيما يذبح السوريون كل يوم تحت براميل وقنابل النظام أو على يد داعش حليفه الاستراتيجي، ينشغل السوريون الموجودون خارج خطوط النار بإطلاق الاتهامات العشوائية على كل معارض يتصدى للوباء الطائفي المتفشي، لا سيما إن كان ينتمي بالولادة إلى”الطائفة العلوية“.
المعارض المغضوب عليه من جميع الأطراف متهم حتى تثبت براءته، وهو مطالب في كل لحظة بتأكيد حسن نواياه كي يحظى بشهادة حسن سلوك من “المحاكم الثورجية” الحائزة على براءة اختراع من عملاء للنظام وموتورين وتجار حروب ومصاصي دماء يعتاشون على الفتنة. المؤكد في كل هذا الجنون أن السوريين يُذبحون بطرائق مختلفة. إحدى الصحفيات الفرنسيات سألتني قبل أكثر من عام: “هل صحيح أن المعارضين “العلويين” يعانون من تخوين وإقصاء المعارضة السورية “السنية” وأن ما يحدث على الأرض هو حرب أهلية؟
فأجبتها بحزم: “لا هذا كلام فارغ، هناك بعض الموتورين واللاعبين بتكليف من النظام لخلق هذا الشرخ، إلا أن كثرا في المعارضة وطنيون قبل أي اعتبار آخر ويحاربون الطائفية، السوريون خرجوا من جميع الطوائف من أجل دولة مدنية، دولة مواطنة، ولا أحد فينا يعترف بهذه الانتماءات الضيقة، وحده النظام هو المستفيد منها لضمان بقائه والترويج لفكرة “الحرب الأهلية“.
قلت هذا عن يقين لا عن عبث، وكنت حينها أعيش في غرفة من عشرة أمتار في إحدى الضواحي الباريسية، لم تكن دول الخليج ولا أميركا ولا قناة صفا تمولني كي أبيع ذمتي ووطني كما يحلو القول لبعض مؤيدي النظام، بل على العكس تماما خسرت كل ما أملكه واضطررت إلى البدء من تحت الصفر بالمفهوم الاقتصادي، وفوق المئة بالمئة بالنسبة لي وفق المفهوم الأخلاقي والوطني.
فكرة الحرب الأهلية روج لها النظام منذ اليوم الأول، ساعدته في ذلك ردود فعل متطرفة، آنية، إنسانية، ومفهومة كنتيجة طبيعية لتطرف أجهزته الأمنية في العنف، وأيضا بعض المعارضين الجهلة الذين عن قصد أو غير قصد استثمروا الموضوع لإشعال الفتنة اعتقادا من بعضهم، ربما، أن هذا قد يساعد على إسقاط النظام، فلا أسهل من تأليب الحشود الغاضبة والمذبوحة عبر هذه الورقة البغيضة “أن ما يفعله النظام العلوي هو تطهير عرقي للسنة“.
السوريون المقيمون في الغرب يدركون تماما كيف تم تكريس دعاية الحرب الأهلية في وسائل الإعلام الغربية، بقدرة قادر تحولت ثورة الكرامة والحرية شيئا فشيئا إلى حرب أهلية تجرد الشعب السوري الثائر من كل حقوقه في إسقاط نظام العنف والطغيان، لصالح “أقليات” وفئات علمانية خائفة من انتقام واضطهاد “الأكثرية الحاقدة” التي تريد العودة بسورية “العلمانية” إلى الجاهلية ثم دولة الخلافة الإسلامية، حيث تُفرض الشريعة وفق مفاهيم خاصة بالمجاهدين “حاملي راية الإسلام“!
انتشار صورة “الثائر” أبو صقار آكل كبد المجند السوري في وسائل الإعلام الغربية والعربية أيضا كانت نقطة تحول لصالح هذه البروباغندا الملعوبة، فها هي بشاعة مجزرة الكيماوي الرهيبة التي ارتكبها النظام بحق أطفال الغوطة تغيب أمام الرمزية الدرامية المكثفة لصورة شخص يأكل قلوب المؤيدين للأسد، ثم داعش وجرائمه بحق المدنيين العزل من رجال ونساء، وأيضا ممارسات بعض الكتائب المتطرفة بحق ناشطين وضباط في الجيش الحر وبعض أبناء “الأقليات”، خير مثال على ذلك اختفاء رجل الدين المسيحي “الأب باولو” المؤيد للثورة.
كل هذه التحولات أسهمت في تجيير الصورة الإعلامية لصالح النظام ضد الثورة وتفريغها من جوهرها الوطني المبارك والمحق ضد طاغية يقتل شعبه تحت ذريعة مكافحة “الاقتتال الطائفي” والتكفير والإرهاب، وأذكركم هنا بأن حوالي 90% من الفرنسيين كانوا مع الثورة ضد الأسد في عامها الأول، فيما يقف اليوم مع الشعب السوري الثائر بالكاد 50% وفق استطلاع أجراه المعهد الوطني للرأي في فرنسا بعد زيارة أعضاء من البرلمان لدمشق، وهؤلاء ال50% لا يخفون قلقهم من الفوضى الطائفية والتطرف، أي أنهم مرشحون للتناقص.
بعض وسائل الإعلام العربية ليست أفضل حالا، فقد روجت بكل ما أوتيت من مكر ل”تسنين” الثورة و”أسلمتها” وإخراج الحدث الأصلي عن سياقه التاريخي التحرري وإسقاط أي مشروع ديموقراطي حقيقي في المنطقة العربية.
لست هنا بمعرض الحديث عن الدور المؤكد والعلني للوبيات النظام المنتشرة بكثرة في الخارج في هذا التزييف، ما يعنيني هو اللوبيات الخائنة للدم السوري في صفوف المعارضين أنفسهم، أفرادا وجماعات ووسائل إعلام تقدم خدمات مجانية، أو غير مجانية للنظام، لتكون لاعبا قويا وداعما له عبر خطاب لا مدني طائفي عنصري غير مسؤول غير وطني وغير عروبي، موفرة الغطاء المثالي للأسد وإيران والغرب كي يستمروا في مباركة المأساة السورية الثورية ذبحا وتشريدا واعتقالا ودعما وتجاهلا. لا يعنيني أن اتهمت بالخيانة، فأنا حقا خائنة.. إن لم أقل كلمة الحق. والحق يقتضي أن تطلق الشياطين الخرساء في الثورة ألسنتها ضد كل ما يطيل في عمر الأسد وذبح السوريين.
الثورة لم تقم لتذبح “العلويين” أو غيرهم ولا لتكفر هذا وذاك، الثورة قامت ضد نظام أوغل في دماء شعبه من جميع الطوائف، دون أن يستثني منهم أحدا، ويحق لها أن تحاكم كل من ارتكب جرائم بحق السوريين، لكن عبر العدالة الانتقالية والقانون لا عبر شريعة الغاب.
بشار الأسد ليس “علويا”، لأنه لو كان كذلك لما ورط “العلويين” في هذه المعركة المجنونة، ولا سورية، لأنه لو كان كذلك لما ذبح سورية من الوريد إلى الوريد، ولما طهرها عرقيا من كل صوت وطني حر ومن كل مناخ ملائم لحراك سياسي ممكن ومن كل فرصة للعقل.
وختاما: عاطف نجيب الذي قلع أظافر الأطفال السوريين في درعا في مثل هذا الشهر هو “سني”، فهل يود حكماء الثورة “علونته” كي يؤكدوا أنها حرب أهلية؟
هنا يحضرني قول ابن القيم الجوزية:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
جدل عقيم وألم وحوار طرشان سمة هذه المرحلة السورية العسيرة، ففيما يذبح السوريون كل يوم تحت براميل وقنابل النظام أو على يد داعش حليفه الاستراتيجي، ينشغل السوريون الموجودون خارج خطوط النار بإطلاق الاتهامات العشوائية على كل معارض يتصدى للوباء الطائفي المتفشي، لا سيما إن كان ينتمي بالولادة إلى”الطائفة العلوية“.
المعارض المغضوب عليه من جميع الأطراف متهم حتى تثبت براءته، وهو مطالب في كل لحظة بتأكيد حسن نواياه كي يحظى بشهادة حسن سلوك من “المحاكم الثورجية” الحائزة على براءة اختراع من عملاء للنظام وموتورين وتجار حروب ومصاصي دماء يعتاشون على الفتنة. المؤكد في كل هذا الجنون أن السوريين يُذبحون بطرائق مختلفة. إحدى الصحفيات الفرنسيات سألتني قبل أكثر من عام: “هل صحيح أن المعارضين “العلويين” يعانون من تخوين وإقصاء المعارضة السورية “السنية” وأن ما يحدث على الأرض هو حرب أهلية؟
فأجبتها بحزم: “لا هذا كلام فارغ، هناك بعض الموتورين واللاعبين بتكليف من النظام لخلق هذا الشرخ، إلا أن كثرا في المعارضة وطنيون قبل أي اعتبار آخر ويحاربون الطائفية، السوريون خرجوا من جميع الطوائف من أجل دولة مدنية، دولة مواطنة، ولا أحد فينا يعترف بهذه الانتماءات الضيقة، وحده النظام هو المستفيد منها لضمان بقائه والترويج لفكرة “الحرب الأهلية“.
قلت هذا عن يقين لا عن عبث، وكنت حينها أعيش في غرفة من عشرة أمتار في إحدى الضواحي الباريسية، لم تكن دول الخليج ولا أميركا ولا قناة صفا تمولني كي أبيع ذمتي ووطني كما يحلو القول لبعض مؤيدي النظام، بل على العكس تماما خسرت كل ما أملكه واضطررت إلى البدء من تحت الصفر بالمفهوم الاقتصادي، وفوق المئة بالمئة بالنسبة لي وفق المفهوم الأخلاقي والوطني.
فكرة الحرب الأهلية روج لها النظام منذ اليوم الأول، ساعدته في ذلك ردود فعل متطرفة، آنية، إنسانية، ومفهومة كنتيجة طبيعية لتطرف أجهزته الأمنية في العنف، وأيضا بعض المعارضين الجهلة الذين عن قصد أو غير قصد استثمروا الموضوع لإشعال الفتنة اعتقادا من بعضهم، ربما، أن هذا قد يساعد على إسقاط النظام، فلا أسهل من تأليب الحشود الغاضبة والمذبوحة عبر هذه الورقة البغيضة “أن ما يفعله النظام العلوي هو تطهير عرقي للسنة“.
السوريون المقيمون في الغرب يدركون تماما كيف تم تكريس دعاية الحرب الأهلية في وسائل الإعلام الغربية، بقدرة قادر تحولت ثورة الكرامة والحرية شيئا فشيئا إلى حرب أهلية تجرد الشعب السوري الثائر من كل حقوقه في إسقاط نظام العنف والطغيان، لصالح “أقليات” وفئات علمانية خائفة من انتقام واضطهاد “الأكثرية الحاقدة” التي تريد العودة بسورية “العلمانية” إلى الجاهلية ثم دولة الخلافة الإسلامية، حيث تُفرض الشريعة وفق مفاهيم خاصة بالمجاهدين “حاملي راية الإسلام“!
انتشار صورة “الثائر” أبو صقار آكل كبد المجند السوري في وسائل الإعلام الغربية والعربية أيضا كانت نقطة تحول لصالح هذه البروباغندا الملعوبة، فها هي بشاعة مجزرة الكيماوي الرهيبة التي ارتكبها النظام بحق أطفال الغوطة تغيب أمام الرمزية الدرامية المكثفة لصورة شخص يأكل قلوب المؤيدين للأسد، ثم داعش وجرائمه بحق المدنيين العزل من رجال ونساء، وأيضا ممارسات بعض الكتائب المتطرفة بحق ناشطين وضباط في الجيش الحر وبعض أبناء “الأقليات”، خير مثال على ذلك اختفاء رجل الدين المسيحي “الأب باولو” المؤيد للثورة.
كل هذه التحولات أسهمت في تجيير الصورة الإعلامية لصالح النظام ضد الثورة وتفريغها من جوهرها الوطني المبارك والمحق ضد طاغية يقتل شعبه تحت ذريعة مكافحة “الاقتتال الطائفي” والتكفير والإرهاب، وأذكركم هنا بأن حوالي 90% من الفرنسيين كانوا مع الثورة ضد الأسد في عامها الأول، فيما يقف اليوم مع الشعب السوري الثائر بالكاد 50% وفق استطلاع أجراه المعهد الوطني للرأي في فرنسا بعد زيارة أعضاء من البرلمان لدمشق، وهؤلاء ال50% لا يخفون قلقهم من الفوضى الطائفية والتطرف، أي أنهم مرشحون للتناقص.
بعض وسائل الإعلام العربية ليست أفضل حالا، فقد روجت بكل ما أوتيت من مكر ل”تسنين” الثورة و”أسلمتها” وإخراج الحدث الأصلي عن سياقه التاريخي التحرري وإسقاط أي مشروع ديموقراطي حقيقي في المنطقة العربية.
لست هنا بمعرض الحديث عن الدور المؤكد والعلني للوبيات النظام المنتشرة بكثرة في الخارج في هذا التزييف، ما يعنيني هو اللوبيات الخائنة للدم السوري في صفوف المعارضين أنفسهم، أفرادا وجماعات ووسائل إعلام تقدم خدمات مجانية، أو غير مجانية للنظام، لتكون لاعبا قويا وداعما له عبر خطاب لا مدني طائفي عنصري غير مسؤول غير وطني وغير عروبي، موفرة الغطاء المثالي للأسد وإيران والغرب كي يستمروا في مباركة المأساة السورية الثورية ذبحا وتشريدا واعتقالا ودعما وتجاهلا. لا يعنيني أن اتهمت بالخيانة، فأنا حقا خائنة.. إن لم أقل كلمة الحق. والحق يقتضي أن تطلق الشياطين الخرساء في الثورة ألسنتها ضد كل ما يطيل في عمر الأسد وذبح السوريين.
الثورة لم تقم لتذبح “العلويين” أو غيرهم ولا لتكفر هذا وذاك، الثورة قامت ضد نظام أوغل في دماء شعبه من جميع الطوائف، دون أن يستثني منهم أحدا، ويحق لها أن تحاكم كل من ارتكب جرائم بحق السوريين، لكن عبر العدالة الانتقالية والقانون لا عبر شريعة الغاب.
بشار الأسد ليس “علويا”، لأنه لو كان كذلك لما ورط “العلويين” في هذه المعركة المجنونة، ولا سورية، لأنه لو كان كذلك لما ذبح سورية من الوريد إلى الوريد، ولما طهرها عرقيا من كل صوت وطني حر ومن كل مناخ ملائم لحراك سياسي ممكن ومن كل فرصة للعقل.
وختاما: عاطف نجيب الذي قلع أظافر الأطفال السوريين في درعا في مثل هذا الشهر هو “سني”، فهل يود حكماء الثورة “علونته” كي يؤكدوا أنها حرب أهلية؟
هنا يحضرني قول ابن القيم الجوزية:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.