تسارعت أحداث الثورة السورية على الصعيد الميداني بشكلٍ كبير خلال الأشهر الأخيرة, وبالتأكيد لم يكن هذا الأمر مجرد مصادفة, وإنما هو حصيلة مجموعة من المعطيات الطارئة على الساحتين السورية والدولية.
وتميز كل عام من الأعوام المنصرمة لعمر الثورة السورية بحدث فارق, أو مرحلة مميزة خلفت انعطافة حقيقية في مجريات العديد من الأحداث على الأرض, فمنهم من أطلق على عام 2013 “عام التحرير”, ومنهم من أطلق على عام 2014 “عام الهجرة”, وهناك من دعا عام 2015 “بعام العدوان الروسي”, ومع حلول آخر أيام هذا العام 2016
هناك من يسميه “عام التهجير القسري”, لا شك أن أسماء الأعوام السابقة مستوحاة من الأحداث الطارئة المساهمة في تشكيل مرحلة جديدة من عمر الثورة السورية والصراع الدائر على الأرض السورية.
لماذا أطلق البعض على عامنا الذي شارف على الانتهاء ب”عام التهجير القسري”؟،
هناك العديد من أسماء المدن والبلدات السورية التي لمعت في وسائل الإعلام كونها مدن تعرضت لأشهر طويلة من الحصار الذي طبقته قوات النظام عليها والمليشيات الداعمة لها, وبنفس الوقت قاومت هذه البلدات والمدن قوات النظام طويلاً وتحدت طوق الحصار المفروض عليها, وصمدت أمام الحصار صمود أسطوري, كداريا والمعضمية ومخيم خان الشيح والمقيلبية والديرخبية والتل ومضايا والزبداني والغوطة الشرقية في ريف دمشق, وأحياء حمص وريفها الشمالي وحي الوعر, , وأخيراً دخلت أحياء حلب الشرقية دائرة الحصار.
سياسة الحصار التي يفرضها النظام على المدن والبلدات لغايتين:
الأولى: لتطويق المدينة من كل جهاتها ومنع دخول وخروج المدنيين منها, وقطع جميع طرق الإمداد إلى داخلها لضمان عدم دخول السلاح والمواد الغذائية والتموينية والمساعدات الإنسانية التي يحتاجها المدنيون المحاصرون, وبذلك يكون النظام قد حقق الغاية الكبرى وهي الضغط على المدنيين بعد تجويعهم, والضغط على المقاتلين بعد أن أصبحوا مهددين بسبب نفاذ ذخيرتهم, وبالتالي يوفر النظام على نفسه عناء الهجوم العسكري والخسائر المحتملة في الأرواح والعتاد المترتبة عليه.
الثانية: من أجل نقل ما يسمى بخطط “التغيير الديمواغرافي” والذي يستهدف البنية السكانية بشكل أساسي, من مجال التخطيط إلى حيز التنفيذ على الأرض, فيضمن النظام فيما بعد مناطق موالية له قائمة على أنقاض مناطق معارضة, بعد أن تم تهجير سكانها.
إذن هو تهجير قسري حقيقي يندرج ضمن بنود الجرائم المرتكبة بحق المدنيين وفق المواثيق والعهود الدولية, إلا أنه يجري على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الصامت والمتفرج, بل في بعض الأحيان قامت جمعية الأمم المتحدة برعايته كما حدث من تهجير قسري بحق أهالي داريا في غوطة دمشق الغربية.
ولكن السؤال الأبرز:
هل سيكون تهجير السوريين من أرضهم هو انتقال من أرض الموت المحاصرة إلى أرض الحياة المحررة؟
لنجيب على هذا السؤال, علينا أن نذكر اسم المنطقة التي يهجّر السوريون إليها, وبالتأكيد يعلم القاصي والداني أن محافظة إدلب هي الوجهة التي يفرضها النظام على المهجرين, إما تسوية الأوضاع, أو التهجير إلى إدلب شمالاً.
لسنا بصدد مناقشة الأبعاد السياسية والعسكرية من تجميع النظام لخصومه في محافظة إدلب, فالتحليلات كثيرة, ولكن ملخص الكلام, أن التهجير إلى محافظة إدلب التي فتح أبناؤها بيوتهم لإخوانهم القادمين من المناطق المحررة, هي ليست انتقالا من الموت إلى الحياة, فبعد نجاح النظام في تهجير العديد من السوريين إلى محافظة إدلب, أمعن في تكثيف قصفها بالطائرات الحربية, وأوقع فيها عشرات المجازر بحق العديد من المدنيين فيها بشكل غير مسبوق يفضح نوايا النظام المستقبلية تجاه المحافظة وأهلها والمهجرين إليها, وقد سقط عدد من المهجرين من داريا وغيرها ضحايا نتيجة القصف المكثف على الأحياء السكنية في مركز إدلب وأريافها.
إذن الهجرة القسرية من سجن صغير إلى سجن أكبر, ومن أرض الموت جوعاً إلى أرض الموت قصفاً.
للأسف هذا ما يجري في القرن الواحد والعشرين أمام مرأى ومسمع العالم الذي يدعي حقوق الإنسان, فإلى متى ستسمر الجريمة؟!.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.