التعليم أحد هواجس السوريين في المناطق المحررة، ويثقل التفكير بمستقبل الأبناء كاهل آبائهم وأمهاتهم إلى جانب انشغالهم بتأمين لقمة العيش والإقامة في مكان آمن.
لا تتوقف الشكوى من انخفاض مستوى التعليم المجاني نتيجة المشاكل الكثيرة التي يعانيها، إضافة إلى المخاوف المرتبطة بمخرجاته المتعلقة بسوق العمل، التي تُعد الحافز الأول للعملية التعليمية برمتها. يأتي التعليم الخاص كاستجابة بدأت تتسارع رغم الوضع الاقتصادي المتهاوي لغالبية الناس في المناطق المحررة. تضاعفت في الأشهر الأخيرة أعداد المدارس والمعاهد الخاصة، فأعاد البعض افتتاح مدارس خاصة قديمة، وأسس البعض الآخر مدارس جديدة ويسعى لتطويرها. وسط جدال بين القائمين على التعليم عن أهميتها ودورها في ترميم التعليم في المناطق المحررة.
لمدينة إدلب النصيب الأكبر في انتشار معاهد التعليم الخاص، نظراً لاكتظاظ المدينة بالسكان والنازحين، وتوفر الكوادر التعليمية، والدعم الذي تقدمه بعض المنظمات لتلك المدارس، ووصل عدد المؤسسات الخاصة في مدينة إدلب 8 مدارس و14 معهداً.
في الفترة الأخيرة عملت تربية إدلب على الترخيص للمؤسسات التعليمية، وطلبت من المدارس غير المرخصة العمل على ترخيصها ليتم ضبطها ومتابعة عملها، وخاصة بعد التدخل الكبير من قبل أطراف متعددة في العملية التعليمية، وتعدد المناهج وتنوع المواد التي يتم تعليمها.
تقول أسماء (22 عاماً) مدرسة لغة إنكليزية في مدرسة الفتح الأهلية الخاصة في مدينة إدلب، «عملت في المدارس الحكومية، التابعة للنظام السوري، كما عملت مؤخراً في المدارس الخاصة، هناك فرق كبير بين الجانبين، فالمدارس الخاصة تهتم بترغيب الطلاب وتحفيزهم ولها العديد من الأنشطة الترفيهية، بالإضافة للاختيار الجيد للمدرسين والقائمين على التعليم، وحالة التنافس لجذب الطلاب تجعل المدارس الخاصة تعمل جاهدة لرفع جودة التعليم والخدمات التي تقدمها».
أما الرسوم في مدارس المرحلة الأولى فهي تتراوح بين 70 و150 ألف ليرة سورية في السنة، وعدد الطلاب في الغرفة الصفية لا يتجاوز 20 طالباً، ما يساعد الطلاب على التلقي بشكل أفضل.
تقول سمر، وهي مديرة لإحدى المدارس الخاصة في مدينة إدلب: «معظم طلابنا في السنوات الماضية كانوا إما من أبناء الأطباء أو المهندسين أو التجار، لكن في الوقت الراهن معظم المسجَلين لدينا هم من الطبقة المتوسطة وحتى الفقيرة، إذ أنهم يرون أن التعليم فوق كل شيء، حتى أن إحدى الأمهات قالت لي: (لو بدي أشحذ رح درّس ولادي)، ونظراً لكثرة الإقبال على التسجيل اضطررت أن أضغط عدد التلاميذ في المقعد لثلاثة، بعد أن كانوا سابقاً اثنين فقط».
نقلت رنا نعناع، وهي مديرة مدرسة «سنا الربيع» في حلب، أثاث مدرستها إلى مدينة إدلب بعد غارة لطيران النظام على المدرسة في حلب. وفي مكانها الجديد باشرت العمل مرة أخرى. تقول رنا: «ساهمت إحدى المنظمات بتقديم رواتب لبعض العاملين في المدرسة، فتقاسم الكادر والبالغ عدده 18 مدرساً الرواتب التي قدمت مع زملائهم»، يداوم في «سنا الربيع» بمدينة إدلب اليوم (500) طالبة حسب ما تقول المديرة، وتعاني من نقص كبير في المستلزمات وأدوات التعليم، التي اشترت بعضها من «المبالغ البسيطة التي دفعتها الطالبات كرسوم تسجيل في المدرسة».
أدى القصف الجوي للمباني العامة في المناطق المحررة، إلى نشوء ظاهرة تعليمية جديدة هي المدارس المنزلية التي أخذت أعدادها هي الأخرى بالازدياد إلى جانب المدارس الخاصة، حيث يتفق مجموعة من الطلاب يتراوح عددهم بين الخمسة والعشرة على التعاقد مع معلمين يدرسونهم، كامل المنهاج في منزل واحد من الطلاب. يُعدّ هذا النوع من التعليم الخاص الأعلى تكلفة، نظراً للاهتمام المكثف من قبل المعلمين، وقلة عدد الطلاب. تصل الأقساط التي يدفعها طلاب المجموعة الواحدة إلى أكثر من 3 آلاف دولار تزيد أو تنقص عن ذلك بحسب عدد المواد والساعات المتفق عليها.
يقول عبد المحسن (52 عاماً) من ريف حماة الشمالي، لـ«عين المدينة »: «ما بقى أمّن إبعت بنتي ع المدرسة، القنابل العنقودية معبية الطرق، والطيران على طول بالسما، والقصف شغّال ع المدارس فعملت صف بالمغارة لولادي وولاد الجيران، والمعلمة بتجي تعطيهم بالمغارة بالمصاري، بس بدنياهم يتعلموا القراءة والكتابة».
يعاني التعليم الخاص من أوجه ضعف وقصور، وتعترض مسيرته عقبات كثيرة، تَحدّ من دوره. ولا بد له من قوانين تضبط عمله بعيداً عن جشع المتاجرين به، ويجب ألا تسبق الأهداف الربحية فيه الأهداف التعليمية، ويجب أن تضطلع المنظمات الداعمة بدور أكبر في رعايته مما يخفض من رسوم الالتحاق بمؤسساته.
نقلا عن عين المدينة