لماذا انتفض التركمان بشدة ضد النظام؟، هل هم مدفوعون من الخارج كما يتهمهم النظام بالعمالة لدول أخرى؟، وما المصير الذي آل إليه حال تركمان سوريا بسبب انتفاضتهم؟
مناطق انتشار واسعة
بشكل عام هناك دراسات تقدر أعداد التركمان السوريين ما بين مليون ونصف، وثلاثة ملايين نسمة.
يدين التركمان بالمذهب السني بشكل عام. ويوجد بضع قرى لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة “علوية”، تقع في ريفي اللاذقية وحماه.
وتنتشر غالبية القرى التي يقطنها التركمان بين القرى “العلوية”، وبجوارها، كما هو حالها في وسط سوريا، وغيرها من مئات القرى والبلدات في عموم سوريا، ولامجال لتعدادها وذكرها بالتفصيل، فمثلاً تتوضع قراهم على السفوح الشرقية لجبال العلويين وعلى الطريق الواصل بين مدينة حمص ومدينة طرطوس الساحلية.
تتوضع عدة قرى للتركمان في ريف حمص الغربي كقرى: (قزحل وأم القصب وخربة السوداء وحامشية والسمعليل وبرج قاعي وربيعة والنزارية والزارة والحصرجية وحالات)، ونسبة التركمان في هذه القرى تبلغ 100%. أما قرى (خربة التين وجوسية ومرج القطا والشامة والحيصة وسنيسل وكيسين وتسنين والدار الكبيرة وهبوب الريح) تبلغ نسبة التركمان فيها 50%.
وفي(مدينة تلكلخ والشميسة والحصن والمشيرفة وعرجون) وتبلغ فيها نسبة التركمان 30%. كما يشكل التركمان حوالي 40% من سكان حي باباعمر في حمص وهناك مثل شعبي ينتشر بين التركمان في حمص حول سكان حمص “من لم يكن أصله تركماني يروح يدور على أصله”.
وهناك بعض قرى التركمان تتوضع في ريف حماه الغربي الجنوبي ومن هذه القرى: (طلف وعقرب وحرب نفسه وبيت ناطر وحرمل) وتبلغ نسبة التركمان فيها 100%. أما قرى (موسى الحولة وحوير التركمان وقرطمان وبعرين ودير فرديس) تبلغ فيها نسبة التركمان 50%.
كما يتوزع الوجود التركماني في مناطق اللاذقية مثل (حي علي الجمال) وفي طرطوس وحلب (مثل حي الهلك وقاضي عسكر، وأكبر القرى التركمانية في ريف حلب قرية “الراعي تشوبان بيه”) والكثير غيرها في شمال سوريا وفي جنوبها أيضاً.
وتاريخياً الوجود التركماني في سوريا والمنطقة بشكل عام يعود إلى العصر العباسي أي قبل قيام الخلافة العثمانية بفترة طويلة جداً.
النظام والقمع والانخراط الواسع في الثورة السورية
تعرض التركمان منذ القدم لقمع النظام حيث حارب النظام الوجود التركماني ولم يفسح المجال للاهتمام بالحقوق الثقافية لهم في سوريا، واعتقل الكثير من مثقفيهم وحارب انتشار لغتهم وثقافتهم ووقف دون تطور مناطقهم وقراهم ووضع يده على الكثير من ممتلكاتهم في المناطق الساحلية.
وقف التركمان مع الثورة السورية السلمية منذ شرارتها الأولى ونظموا مظاهرات عدة ضد النظام في كافة قرى التركمان، طالبوا خلالها كباقي المكونات السورية الساعية للحرية والمساواة والتعددية والديمقراطية، وسعوا للتخلص من حكم عائلة واحده وطائفيتها، والتخلص من همجية عناصر أمن النظام السوري وطائفيته ومن “سكوت ولك وعراف مع مين متحكي”، وللتخلص من التبعية الأمنية المكبلة لأعناق الشعب السوري، “بدنا موافقة أمنية لحتى نتزوج وموافقة أمنية إذا بدنا نفتح دكانه ودراسة أمنية طائفية لتتوظف….”، هكذا علق أحد تركمان ريف حمص الغربي.
ما هي الحقيقة حول الدعاوى بخصوص دور التركمان بتحريض خارجي ولاسيما تركيا؟
منذ بداية اندماج تركمان سوريا بالثورة السورية اتهمهم النظام بالعمالة والعمل تنفيذاً لدوافع تركية، ولكن مع توسع الثورة وامتدادها اتضح أن الدافع ثوري لدى التركمان وأن ثورتهم وطنية كسائر حواضن الثورة السورية. يقول أحد التركمان اللاجئين إلى تركيا، “كل القصة متلنا متل أي سوري طلع بالمظاهرات السلمية وتم قمعها وقتلنا بمجرد طالبنا العيش بكرامة وحرية الاختيار للحاكم والخلاص من السلطة الأمنية الطائفية نحنا مابدنا لاخلافة ولاعثماني بدنا نعيش بكرامة”.
وبعد تحول النضال السلمي للثورة السورية إلى العسكرة بسبب القمع والقتل الوحشي للنظام وأجهزته، واكب التركمان تطورات الثورة السورية التي تحولت من مظاهرات سلمية إلى حراك ثوري مسلح وقدم التركمان تضحيات عدة وشكلوا عدة كتائب وألوية مقاتلة في كافة مناطقهم مثل (درع حمص في ريف حمص الغربي، ولواء السلطان محمد الفاتح، لواء جبل التركمان، كتيبة أنوار الحق ولواء الزنكي وغيرها…)، وشاركوا في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وضد الميليشيات الكردية في عفرين، وضد قوات النظام وحلفائه في كثير من المناطق.
وفي المجال السياسي تم تأسيس عدة تنظيمات سياسية وأحزاب تركمانية تعبر عن تطلعات التركمان السوريين وحقوقهم مثل الحركة التركمانية الديمقراطية السورية، الكتلة الوطنية التركمانية السورية، وهذه الهيئات سعت إلى تمثيل التركمان ضمن الهيئات السياسية المعارضة فتم تمثيل كل من الحركة التركمانية الديمقراطية السورية والمجلس السوري التركماني بتسعة مقاعد في عضوية المجلس الوطني السوري، أما الكتلة الوطنية التركمانية فتم تمثيلها بسبعة مقاعد، أما في الائتلاف الوطني السوري فتم تمثيل التركمان بثلاثة ممثلين اثنين منهم ينتمون إلى الحركة التركمانية الديمقراطية السورية والكتلة الوطنية التركمانية والثالث شخصية تركمانية مستقلة.
شعارات طائفية وقتل وتهجير وتعفيش
منذ اندلاع الثورة السورية تعرضت المنطقة الوسطى عامة وقرى التركمان خاصة لشتى أنواع الظلم والتدمير والتهجير الممنهج و”التعفيش” والسرقات، وقد رفعت قرى حمص الموالية للأسد شعارات طالبوا فيها بإبادة التركمان ثم ارتكبوا بحقهم مجازر ضد الإنسانية موثقة، تعامت عنها المنظمات الدولية الانسانية ومنظمات حقوق الانسان كما تم تهجير قرى تركمانية بشكل كامل في ريف حمص. وهجرت أعداد كبيرة من التركمان السوريين إلى تركيا وأعداد منهم إلى لبنان والقليل نزح إلى مناطق في الداخل السوري مجاورة لقراهم.
ومن بقي في الداخل تم اعتقال أعداد كبيرة منهم وتعرضوا لشتى أنواع الظلم والقهر والتعذيب وقتلوا الكثير منهم تحت التعذيب، والبعض منهم تم اختطافه من قبل “الشبيحة” وتصفيتهم والقليل منهم اضطر لإعادة رفع شعارات مؤيدة للنظام حفاظاً على حياتهم.
التركمان السوريون كباقي اللاجئين في لبنان.. تحت وطأة الاستغلال
من لجأ منهم إلى لبنان غالبيتهم استقر في منطقة “الكواشرة التركمانية” بشكل خاص، حيث تم استقبالهم بداية والتعاطف معهم ومن ثم عوملوا مثلهم مثل باقي النازحين السوريين، ففرضت عليهم أجارات بيوت تراوحت بين (200 – 400) ألف ليرة لبنانية، ومنذ مدة قريبة فتح مركز طبي عام وقسم طب أسنان في الكواشرة قيمة الكشفية (20) ألف ليرة لبنانية من دون الأدوية، كما نالت “الكواشرة” وعدد من القرى المجاورة بعض الدعم لاستقبالها لاجئين سوريين ومؤخراً تم مد المياه التركية لكافة منازل هذه القرى حيث تمنح هذه القرى الماء يومين في الأسبوع ولم ينل التركمان أي دعم من أي منظمة خاصة (فلا فرق في التعامل والاستغلال) فكان مثلهم مثل باقي النازحين السوريين إلى لبنان.
اللاجئون التركمان في تركيا
كذلك الوضع بالنسبة للتركمان السوريين اللاجئين إلى تركيا فقد تم استقبالهم في المخيمات والبعض استأجر بيوتاً خاصة بإيجارات تتراوح بين (400 – 800) ليرة تركية كباقي السوريين، ولم يتم تمييزهم عن سائر اللاجئين السوريين، فكانوا يمنحون نفس المعونة المقدمة لكل لاجئ، ولم يتم التعامل معهم بشكل خاص أو يقدم لهم معونات خاصة تميزهم عن باقي السوريين، وخضعوا لنفس الشروط التي يخضع لها اللاجئون السوريون من إقامات أو فرص الحصول على الجنسية التركية، والبعض منهم كان له مشاريعه الخاصة كضمان الأراضي وزراعتها في مناطق جنوب تركيا. والبعض منهم هاجر إلى دول أوروبا فكانت حالهم كحال باقي السوريين في كل شيء.
واليوم شُتت التركمان وحالهم كحال أغلبية السوريين، من موطنهم سوريا، وهم أقلية، فلما لا ينظر بأمرهم من قبل من يطالب بالحفاظ على حقوق الأقليات وحمايتها، وها هم قد تعرضوا للإبادة والتهجير الممنهج، لمجرد أنهم طالبوا بالحرية والمساواة والكرامة.