في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس عن حرب «الإبادة» مع تنظيم «الدولة» تعبير عن تحول في السياسة الامريكية وانعكاس لما دعا إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي وهو التحالف ضد المتطرفين من أجل سحقهم.
ففي مقابلة مع شبكة «سي بي أس نيوز» قال الجنرال المعروف بـ «الكلب المجنون» إن الولايات المتحدة تبنت الآن «أساليب إبادة» ضد تنظيم «الدولة» في العراق وسوريا. وقال إن «استراتيجيتنا الآن هي تصعيد الحملة ضد تنظيم الدولة، فهو تهديد لكل العالم المتحضر».
وقال متحدثاً عن المعركة الحالية غربي الموصل إن الهدف الرئيسي منها هو «عدم السماح للمقاتلين الأجانب النجاة للقتال والعودة إلى شمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا» و «لن نسمح لهم بعمل هذا وسنوقفهم هناك». وأعلن الجيش العراقي عن مرحلة أخيرة من العمليات ضد مقاتلي التنظيم الذين يتحصنون في آخر معاقلهم في المدينة وسط 200 الف مدني.
وتتوقع الأمم المتحدة أن يؤدي القتال لنزوح جماعي إلى معسكراتها المكتظة باللاجئين. وحذرت الأمم المتحدة من نقص المدنيين للمواد الغذائية والدواء والماء. وقال ستيفن أوبرين، مسؤول الشؤون الإنسانية في المنظمة الدولية إن قناصة تنظيم «الدولة» يستهدفون الأطفال. مضيفاً أن القانون الدولي واضح جداً «فحماية أرواح المدنيين هي واجب قانوني وأخلاقي يتقدم على كل الأهداف الأخرى». وزادت المخاطر على المدنيين بسبب استخدام التنظيم السكان كدروع بشرية وتسارع وتيرة الغارات الجوية.
العسكرة
وتعبر تصريحات ماتيس عن الدور الذي بات يلعبه الجنرالات في مسائل السياسة الخارخية. ففي تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» تحدثت فيه عن موقف الإدارة من أفغانستان.
فعندما اجتمع مستشارو الرئيس للسياسة الخارجية في البيت الأبيض لمناقشة الخطط المتعلقة باستراتيجية واشنطن تجاه أفغانستان كان الحضور معبراً عن التغير في السياسة الخارجية. وحضر الاجتماع أربعة من الجنرالات الحاليين والمتقاعدين الذين أصبحوا يؤثرون على كل قرار يتخذه ترامب.
وهم مستشار الأمن القومي الجنرال أتش أر ماكمستر وجوزيف دانفورد، رئيس هيئة الاركان المشتركة ووزير الدفاع الجنرال ماتيس ووزير الأمن الداخلي جون إف كيلي. وخرج المجتمعون من اللقاء باعتقاد أن الخطة جاهزة لكي ينظر فيها الرئيس مع أن المسؤول الدبلوماسي الأهم ريكس تيلرسون كان غائباً عن النقاشات الذي عبر عن قلقه من أن المراجعة لم تأخذ بعين الاعتبار الدول ذات الاهتمام بأفغانستان وهي باكستان والهند وإيران، بالإضافة لمخاوفه من مطالب زيادة عدد موظفي الخارجية في مناطق خطيرة خارج العاصمة كابول.
وتعلق الصحيفة أن مناصب في الخارجية لا تزال شاغرة إلا أن المسؤولين فيها أكدوا أنهم شاركوا في نقاشات المراجعة وأن القرار النهائي فيها لن يتخذ قبل أسابيع من الآن. ومن هنا فالإنقسام حول قضايا السياسية الخارجية التي تترك آثارها على البنتاغون والخارجية والميـزانية الفـدرالية تشير للـدور الذي بات يلعـبه العسـكريون في إدارة تـرامب.
ولا يحتل الجنرالات العسكريون الحاليون أو المتقاعدون المناصب المهمة في الإدارة ولكنهم يشغلون مناصب إدارية في البيت الأبيض عادة ما احتلها المدنيون والدبلوماسيون المجربون. ففي مجلس الأمن القومي يبلغ عدد العسكريين المتقاعدين منهم والحاليين 8 من بين 25 مسؤولاً في السياسات.
وتقول الصحيفة إن التحول يعكس إيمان ترامب بالمحاربين والعسكريين وفرحه باستخدام وإظهار القوة العسكرية. ففي أثناء الحملة الإنتخابية وفي المكتب البيضاوي وعد بأن يسحق تنظيم «الدولة» وأن يتخذ مواقف متشددة من أعدء الولايات المتحدة مثل إيران وكوريا الشمالية.
ومنذ كانون الثاني/يناير بدا هذا الموقف واضحاً في دوائر السياسة الخارجية ومجلس الأمن القومي. ففي الشرق الأوسط أكد ترامب دعمه للحلفاء العرب ضد إيران وضرب المتطرفين متجاوزاً مدخل باراك أوباما الذي دعا لاحترام حقوق الإنسان والتغيير الهادف لتحسين الحياة في المجتمعات المغلقة.
وينسجم هذا التحول مع رغبة العسكريين الذين دعوا إليه منذ وقت. ففي اليمن والصومال منح الرئيس القادة الصلاحية لشن هجمات وإطلاق صواريخ وأعطى القادة الميدانيين السلطة لاتخاذ القرارات التي كان البيت الأبيض يتحكم بها سابقاً.
أما في أفغانستان فهناك خطط لزيادة عدد القوات رغم معارضة الخارجية ومسؤولين بارزين في البيت الأبيض مثل ستيفن بانون، مستشار الرئيس للإستراتيجيات. ويرى محللون أن وجود عدد من العسكريين داخل الإدارة، ومنهم عدد أسهم في تشكيل استراتيجية جورج دبليو بوش لمواجهة المقاومة العراقية أن هذا هو المطلوب. ويرى هؤلاء أن تحقيق نتائج جوهرية في العراق واليمن وسوريا لن يكون سريعاً وبكلفة رخيصة.
ويخشى خبراء آخرون من آثار هذا المدخل السلبية حيث أدى انغماس الجنرالات في حروب على مدى عقد ونصف لتعقيد مهمة النظر للقوة الأمريكية أبعد من مناطق النزاع في الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا.
ويقول أندرو بريفتش، العقيد المتقاعد والأستاذ في جامعة بوسطن إن من الصعوبة بمكان النظر للخلف والتفكير بطريقة نقدية بهذه التجارب و»سيـجدون صعوبة في التفكير بالطريق الذي مشـوا فيه وإن كـان الطـريق الخـطأ».
وكان مجلس الأمن القومي قد انشئ بعد الحرب العالمية الثانية ليقوم بدور الموازن بين دوائر الدولة التي تتنافس على التأثير، وجعل مقره في البيت الأبيض لا البنتاغون حتى لا تسيطر هذه بمصادرها على قرارات السياسة الخارجية.
ويرى ديرك تشولي، من إدارة أوباما سابقاً أن «هناك حاجة لآلية تساعد على ترشيد استراتيجية اتخاذ القرار». ومع أن وجود العسكريين في مجلس الأمن القومي ليس جديداً إلا أن تسيد الجنرالات له في فترة ترامب يعود إلى سلسلة من الأحداث وترتبط بتعيين مايكل فلين، مستشاراً للأمن القومي والذي استقال من منصبه بعد أقل من شهر بسبب التحقيقات بالدور الروسي في انتخابات الرئاسة.
وخلال الفترة القصيرة استعان فلين بمن يعرفهم من العسكريين الذين عمل معهم في العراق وأفغانستان. وبعد وصول ماكمستر، فعل الشيء نفسه.
واختار الجنرال ريكي ووديل نائباً له والعقيد المتقاعد ردولف عطا الله مسؤولاً عن أفريقيا. وستؤدي خطط وزارة الخارجية خفض عدد العاملين من موظفيها في مجلس الأمن القومي لتخفيف النفقات إلى زيادة معدلات العسكرة لمجلس الأمن القومي. ولاحظت الصحيفة أن كثافة العسكريين في مجلس الأمن القومي هي في الأقسام المتخصصة بالشرق الأوسط وإيران.
وكانت اللحظة الفارقة لدى هؤلاء العسكريين هو قرار جورج بوش نشر 30.000 جندي إضافي العراق لمنع الهزيمة. وكانت مرحلة صعبة عندما واجهت القوات الأمريكية مقاومة سنية وجماعات وكيلة عن إيران.
ومن هنا يعلق كولين كاهل، المسؤول السابق في البنتاغون والبيت الأبيض أن معظم المسؤولين العسكريين شكلوا رؤيتهم عن الشرق الأوسط في تلك اللحظة المهمة من احتلال العراق. ويرى كاهل أن الوجود العسكري في البيت الأبيض قد يؤدي إلى المبالغة في تقدير تأثير الولايات المتحدة في المنطقة أو جرها لحرب مع إيران. وفي رؤية مخالفة قد يتخذ العسكريون موقفاً حذراً بعد الخسائر التي تكبدها الجيش الأمريكي أثناء الاحتلال.
تغير في المسار
وفي زيارته للمنطقة قرر ترامب تعديل مسار السياسة الخارجية بعيداً عن فترة أوباما وتأكيد التحالف مع الحلفاء التقليديين. ودعا في خطابه الذي ألقاه في العاصمة السعودية الرياض للوحدة والتركيز. لكن لم يحصل على أي منهما كما ورد في تقرير آخر للصحيفة. فبدلاً من توحيد المنطقة أسهم ترامب بمفاقمة الانقسامات.
وأشارت الصحيفة الى الخلاف السعودي ـ القطري الجديد وحرب الكلمات التي تشير للتنافس والخلاف في الرؤية. وفي الوقت الذي تواصلت فيه الحرب الكلامية واصلت مملكة البحرين ومصر حربهما ضد المعارضين حيث سجن العديد منهم.
أما قادة إيران فقد شجبوا تصريحاته وما نتج عن الزيارة من عقود أسلحة بمئات المليارات. وكشف الإيرانيون عن نظام للصواريخ الباليستية. ويقول المحللون إن التوتر هو نتاج لخطاب ترامب في الرياض حيث وقف مع قيادة السعودية للعالم العربي ووقع معها عقود تسليح جعلت الكثيرين من منافسيها بالمنطقة يشعرون بالقلق.
ويقول المحللون إن دعوة ترامب لموقف موحد من الإرهاب لن يكون له أثر خاصة أنه وجه دعوته لحضور عادة ما استخدم مصطلح مكافحة الإرهاب بشكل واسع ضم الإرهابيين والمدونين على صفحات التواصل الاجتماعي.
ويقول فواز جرجس، استاذ دراسات الشرق الأوسط في مدرسة لندن للاقتصاد «يقبل ترامب الآن فكرة كون السعودية الحوض الاستراتيجي في العالمين العربي والإسلامي» و»ما نراه اليوم هو شعور التحالف الذي تقوده السعودية بالقوة، في مرحلة هجوم وهذه مرحلة جديدة يجب على كل واحد أن يلتزم بها وينضم للتحالف».
تصعيد
ويعتقد أن آثار التحالف قد تؤدي إلى زيادة المشاكل في المنطقة وتصعد من حروب الوكالة في اليمن وسوريا. وقد تشتعل جبهات جديدة بين إسرائيل وحزب الله «الجميع يحضرون للجولة القادمة». ولاحظت الصحيفة أن إيران تبنت منذ الخطاب لهجة متشددة واعتبرت الاعتقالات في البحرين نتيجة مباشرة لخطاب الرئيس الأمريكي.
وفي الوقت الذي يحضر فيه العالم العربي نفسه لجولة تصعيد أخرى بين السعودية وإيران، اندلعت حرب بين الرياض والدوحة، في إشارة للاختراق لوكالة الأنباء القطرية والزعم بأن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد انتقد السعودية.
ورغم نفي الحكومة القطرية المزاعم إلا أن هذا لم يمنع السعودية من شن هجمات شرسة على الدوحة. وتقول الصحيفة إن من آثار خطاب ترامب هو زيادة القمع المحلي في الإمارات والسعودية والبحرين. وبعيداً عن الإنتقادات اللاذعة التي شنها الإيرانيون ضد ترامب إلا أن الأخير لم يف بعد بوعده الإنتخابي وهو تمزيق الإتفاقية النووية التي وقعتها طهران مع الدول الغربية عام 2015.
عقود مع إيران
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن إيران تعرف ومن الناحية العملية أن إدارة ترامب مستعدة للتعامل معها، رغم هجومه الكاسح عليها أمام جمهور عربي ومسلم في الرياض. وتقول الصحيفة إن القمة الأمريكية ـ العربية بدت لطهران أخباراً سيئة في البداية. فالصفقات التي وقعت مع السعودية لن تقود حسب خامنئي إلى أي شيء.
وقال «هؤلاء المغفلون يعتقدون أن إنفاقهم للمال سيمنحهم صداقة أعداء الإسلام». وأضاف أنهم «مثل البقرة الحلوب التي تحلب حتى يجف حليبها ومن ثم تذبح».
وتعلق الصحيفة أن اتهامات متبادلة بدت من الطرفين إلا ان إيران تنتظر استلام اسطول من طائرات بوينغ الأمريكية الصنع والتي كانت نتاجاً لصفقتين وقعتا بقيمة 22 مليار دولار. وتم توقيع آخر صفقة مع الشركة المصنعة للطائرات وشركة أسمان الإيرانية للطيران بعد شهرين من تولي ترامب السلطة. ولم يكن الرئيس الذي رفع شعار «أمريكا أولاً» وتعزيز البنية الصناعية لأمريكا راغباً بإلغاء عقد يوفر 18.000 وظيفة للأمريكيين.
ورغم وصفه الاتفاق النووي بالأسوأ في التاريخ إلا أنه وقع في نيسان/إبريل على عدد من الأوامر لإلغاء بعض العقوبات كي لا تتأثر صفقة الطائرات وسمح للإيرانيين بمواصلة التجارة الدولية والإستفادة من الأرصدة المجمدة في الولايات المتحدة. وكإشارة عن استعداد الإدارة التعامل مع طهران تصريحات تيلرسون في الرياض بعد خطاب ترامب حيث سئل إن كان سيرد على مكالمة من محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني. فرد بأنه لن يغلق الهاتف أمام من يريد التحاور وبطريقة بناءة.
وتقول الصحيفة إن إدارة ترامب فهمت أهمية الحفاظ على نوع من الإتصال مع إيران في ضوء النفوذ الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية في المنطقة. وستجد واشنطن صعوبة في حل مشاكل المنطقة بدون التعاون مع إيران: من لبنان الذي يدعم فيه حزب الله وسوريا الذي تقف فيها إلى جانب الأسد والعراق حيث تدعم الحكومة الشيعية وتدرب الميليشيات هناك وفي اليمن حيث تواصل دعم المتمردين الحوثيين.
ولهذا السبب يرى المحللون أن هناك مساحة للتسوية والتنازل لو جلس الطرفان حول الطاولة حيث تقايض واشنطن سيطرتها على الاقتصاد الإيراني مقابل تنازلات في الشؤون الإقليمية من جانب طهران. ورغم فرض إدارة ترامب عدداً من العقوبات على أفراد وهيئات إيرانية لها علاقة بالاختبارات الصاروخية في شباط/فبراير إلا أنها جزء من السياسات التي مارستها إدارة أوباما من قبل.
وفي يوم الخميس صادقت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس على سلسلة من العقوبات ضد إيران بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب. وفعلت اللجنة هذا رغم دعوات من وزير الخارجية السابق جون كيري الذي تفاوض على الإتفاق وحثها في سلسلة من التغريدات يوم الأربعاء بأن لا تفعل.
وكان الرئيس حسن روحاني الذي فاز بولاية ثانية قد تحدث عن إمكانية للتحادث مع أمريكا بعد أن تستقر الإدارة وتتضح اجندتها.
ويتعرض روحاني لضغوط شديدة من التيار المتشدد بعدم التحاور المباشر مع الأمريكيين. لكنه يستطيع الحديث عن نتائج ملموسة للإتفاق النووي من ناحية الإنفتاح على الغرب وتخفيف العقوبات عن الاقتصاد الذي عانى من حالة شلل. ويحتاج روحاني الآن لمحادثات جديدة حتى يستطيع الوفاء بتعهداته الانتخابية وإنهاء برنامج العقوبات المفروض على بلاده بشكل يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الأجنبية.
ويعول المحللون في إيران على تجربة الكثيرين من أفراد الإدارة الحالية في القطاع الخاص ولهذا فقد يميلون لفكرة التفاوض. ويرى المحلل ماشاء الله شمس الواعظين « ترامب، تيلرسون وغيرهما هذه هي إدارة رجال أعمال ويحلون المشاكل من خلال الصفقات لا القتال».
ولم يستبعد حسين شيخ الإسلام مستشار ظريف إمكانية عقد محادثات مباشرة مع الأمريكيين ولكنه قال إن الإيرانيين يحاولون فهم ترامب «هو رجل أعمال» و»لكن في عالم رجال الأعمال لا يزال يتصرف بطريقة انفعالية وغير متوقعة». يذكر أن العلاقة بين البلدين توقفت بعد الثورة الإسلامية عام 1979 ولكنهما تحادثا مباشرة في أثناء المفاوضات على الاتفاق النووي التي بدأت سراً عام 2013 وقبل انتخاب روحاني
المصدر:صحيفة العرب