أحكم النظام سيطرته على مدينة إدلب حتى آذار 2015، فنشر الحواجز وجنّد الميليشيات وأطلق يد عناصر الدفاع الوطني على رقاب الناس وأعراضهم، فزاد التحرش في تلك الفترة. ولم يقتصر على كلمات غير مرغوبة تسمعها المارات، ليصل في بعض الأحيان إلى ملامسة مناطق حساسة، وأحياناً يتطور إلى الاغتصاب على الحواجز، والضحية مجبرة على السكوت لعدة اعتبارات أهمها نظرة المجتمع والخوف من الاعتقال بتهم جاهزة من دعم للإرهاب إلى التآمر على الدولة. ولم يقتصر التحرش على التي تبالغ في زينتها أو تلبس الثياب المغرية، لينعكس الأمر وتصبح الملتزمات باللباس الطويل هن ضحية التحرش بتهمة السلفية.
كانت آلاء طالبة أدب عربي في جامعة إدلب، وقالت لنا: «وصل رقم هاتفي إلى عنصر من الأمن السياسي عندما كنت أبحث عن أبي المعتقل. في البداية سايرته لعلي أصل إلى خبر عن والدي، لكنه بدأ يتمادى في الحديث، وعندما حاولت صده بدأ يهددني. فلم أجد طريقة للخلاص منه غير ترك الجامعة وتغيير رقم هاتفي، فكان تحرشه بي سبب لتحطيم حياتي وترك الكلية التي طالما حلمت بها».
بعد تحرير إدلب بدأ التحرش يختفي بسبب العقوبات الصارمة التي فرضها جيش الفتح سابقاً، وهيئة تحرير الشام حالياً. بالإضافة إلى انتشار عناصر من القوة الأمنية والداعيات في شوارع المدينة ومراقبة المارة، وانتشار الخمار، وكثرة الدروس الدينية ودورات تحفيظ القرآن التي أسهمت بشكل كبير في زيادة مظاهر التدين بين الشباب. لكن هذا لا يعني أبداً أن التحرش غير موجود، ففي بداية العام الماضي جلد جيش الفتح ثلاثة شبان، تراوحت أعمارهم بين 19 و23 عاماً، في الساحة العامة، بهذه التهمة.
أم عبد الله (38 عاماً) موظفة في منظمة إغاثية من مدينة إدلب، قالت لـ«عين المدينة»: «كان التحرش كتير منتشر أيام النظام، وكنت أضطر للمشي في الحارات الفرعية وأتجنب الطرق الرئيسية لأنه اللجان الشعبية والعساكر على الحواجز ما بيخلوا وحدة تمر بدون ما يسمعوها كم كلمة، وأحياناً بيتطور الموقف لأكتر من كلام. لكن كل هالشي اختفى مع التحرير ودخول الثوار المدينة».
ولكن نساء المناطق المحررة لم ينجين من التحرش تماماً، فقد ظلت حواجز النظام كابوساً مرعباً لفتيات ونساء إدلب المضطرات إلى السفر إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، بعد نقل جميع الدوائر الرسمية إلى حماة وحلب. وأصبحت هذه الحواجز مصدر إزعاج وإيذاء للنساء القادمات من شمال سورية، على مسمع الرجال القلائل الذي يسافرون معهن في بعض الأحيان. وقد أدت حالات التحرش على الحواجز بآلاف الطالبات إلى ترك جامعاتهن، بالإضافة إلى مئات الموظفات اللواتي نُقل مكان عملهن أو معتمد رواتبهن إلى مناطق سيطرة النظام، فآثرن ترك وظائفهن على خوض رحلة الخوف تلك.
سميرة (42 عاماً) مدرّسة من ريف حماة الشمالي، قالت لنا: «في بداية نيسان الماضي ذهبت، مع سبعة من زميلاتي، لاستلام رواتبنا من مدينة السقيلبية، فأوقفنا الحاجز الثاني وفتح باب السرفيس، الذي لم يكن فيه من الرجال غير السائق ورجل مسن بجانبه، وبدأ يتكلم بكلام لا يمكن قبوله. وعندما طلب منه السائق أن يتركنا تطور الأمر إلى إنزال إحدى زميلاتي وملامسة جسدها بحجة تفتيشها، ثم لم يتركنا إلا بعد أن دفعنا له مبلغ 30 ألف ليرة. منذ ذلك اليوم قررت عدم الذهاب إلى أي منطقة يسيطر عليها النظام».
أما التحرش في أماكن العمل فيأخذ شكلين؛ الأول هو الابتزاز الذي تتعرض له السيدات للحصول على وظيفة أو الاستمرار فيها، وهذا الشكل مضاعف عشرات المرات في مناطق سيطرة النظام عن مناطق الشمال، وتحدثت عنه جريدة «الوطن» المؤيدة والعديد من المواقع الإلكترونية، ويحدث خاصة في الساحل بسبب ارتفاع نسبة الأرامل. والشكل الآخر يطال المراجعات، وخاصة في المنظمات والمؤسسات التي تقدم مساعدات للنساء، فقد اشتكت عدة نسوة في الشمال من التحرش الذي تعرضن له أثناء مراجعة الجمعيات.
فاطمة ناشطة في مجال الدعم النفسي من ريف إدلب الجنوبي، قالت لـ«عين المدينة»: «هناك ضحايا للتحرش الوظيفي في مؤسسات الشمال، لكن هذه الحالات قليلة مقارنة مع المؤسسات في مناطق النظام. أثناء عملنا بالدعم النفسي صادفتنا حالتين فقط تعرضتا للتحرش في أماكن العمل».
نقلا عن عين العرب