وعلى شاكلة قانون “خدمة العلم” الذي يفرضه النظام في مناطق سيطرته، تفرض “الإدارة الذاتية” واجب الدفاع الذاتي على الشبان من أبناء المنطقة والنازحين الوافدين إلى مناطق نفوذها منذ أكثر من خمسة أعوام، لمدة 12 شهراً في صفوف قوات سوريا الديمقراطية.
أرسلت القيادة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور، في اليومين الماضيين، قائمة بأسماء أكثر من مئة معلم لتأدية الخدمة الإلزامية العسكرية في صفوف قواتها في مركز تجمع “الدفاع الذاتي” خلال مدة أقصاها 7 أيام، وتهديدهم بالفصل أو الاعتقال في حال التخلف عن الخدمة.
وقد لجأت لجنة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية إلى فصل عشرات المعلمين بمحافظة الرقة في شهر آب الفائت، لرفضهم الذهاب إلى معسكرات التجنيد الإجباري، حيث اشترطت عليهم السماح لهم بمزاولة التعليم مقابل الخدمة لعام كامل في صفوفها.
وكانت قد علقت الإدارة الذاتية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، التجنيد الإجباري لمدة 3 أشهر منذ نيسان الماضي في إطار الإجراءات الوقائية لمواجهة جائحة فيروس كورونا، لتعود عقبها لمواصلة عمليات التجنيد.
وقد دعا ناشطون في مناطق عدة في دير الزور إلى تظاهرات اليوم الإثنين، احتجاجاً على فرض التجنيد الإجباري على المعلمين والموظفين في دير الزور. كما أفادت مصادر إعلامية محلية أن ناشطين ومعلمين في مدينة البصيرة شرقي ديرالزور دعوا بدورهم لتنظيم وقفة احتجاجية ضد القرار اليوم.
ستفضي تلك الخطوة إلى مزيد من التدهور في واقع التعليم المتردي أساساً، كونها تدفع الكوادر التعليمية إلى الفرار من المنطقة أو تجبرها على المشاركة في القتال لصالح قوات سوريا الديمقراطية.
تعاني المناطق الشرقية والشمالية الشرقية خلال 8 سنوات من الثورة السورية من ارتفاع نسبة الأمية وازدياد التسرب وانحدار العملية التعليمية خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة سابقاً والإدارة الذاتية حالياً، بعد أن بدأت تلك المناطق تخرج عن سيطرة النظام واحدةً تلو الأخرى منذ نهاية سنة 2012.
وبات السواد من الطلاب من دون تعليم نتيجة تعطل المدارس وتدمرها وخاصة الرقة، التي وصلت نسبة التدمير فيها، بحسب تقرير للأمم المتحدة، إلى 80 ٪ نتيجة المعارك ضد التنظيم، كما جرى استخدام بعض المدارس كمقرات عسكرية ومراكز تدريب.
ويعاني واقع التعليم منذ سيطرة الإدارة الذاتية تخبطاً كبيراً نتيجة تعدد المناهج بين تلك التابعة للنظام ومناهج اليونسيف التي ترتقي لمستوى الطلاب، ومناهج الإدارة الذاتية التي فرضتها على المدارس خلال العامين المنصرمين.
وعمدت “الإدارة الذاتية” خلال السنوات الماضية إلى إدخال المناهج الجديدة باللغة الكردية إلى الصفوف الإبتدائية كخطوة أولى، ومن ثم تعميمها بالتدريج إلى الصف الثاني الإعدادي وصولاً إلى الصف الثالث الإعدادي العام الماضي والمرحلة الثانوية في العام الجاري، وهو ما يرفضه الأهالي كون الشهادة الصادرة عن الإدارة غير معترف بأي دولة من دول العالم.
ولاقت تلك المنهاهج رفضاً جماهيرياً، حيث طالب الأهالي باستبدالها بأخرى تناسب ثقافة المجتمع المحلي من الناحية الأخلاقية والدينية والتاريخية ( لاتقصي فقرات تتحدث عن دور العرب في الأحداث التاريخية).
وتسيطر الإدارة الذاتية على جميع المدارس في مناطق سيطرتها باستثناء عدد قليل من المدارس خاضع للنظام في مدينة الحسكة.
َأدى الفقر وغلاء المعيشة وغياب التعليم الحقيقي، إلى ازدياد عمالة الأطفال الذين دفع بهم أهاليهم إلى سوق العمل، كما لجأت نسبة كبيرة من أطفال المنطقة إلى الالتحاق في صفوف قسد مقابل رواتب جيدة.
تردي قطاع التعليم ليس بحديث العهد في المنطقة. قبيل خروج المنطقة عن سيطرة النظام شهد القطاع إهمالاً وتهميشاً واضحاً، حيث تم افتتاح أول جامعة في المحافظات الشرقية (جامعة الفرات) سنة 2006 فقط. كما لم تستهدف البعثات الجامعية للدولة أبناء المنطقة.
الجدير بالذكر بأن العملية التعليمية في شمال شرق سوريا انحدرت بشكل خطير، ما يجعل أجيال كاملة ضحية الجهل والضياع، في ظل غياب الرؤية والتخطيط الواضح للمستقبل.
صباح نجم
المركز الصحفي السوري