أعلن رئيس المكتب السياسي في لواء المعتصم، مصطفى سيجري، عن تقدم كبير في مفاوضات تسليم القرى والبلدات التي تقدمت إليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» منتصف شباط (فبراير) 2016، إثر انهيار قوات المعارضة أمام قوات النظام والمليشيات الشيعية المرافقة، التي تمكنت من وصل الطريق بين حلب ونبل والزهراء، المجاورتين لقضاء بلدة عفرين من الجهة الجنوبية الشرقية.
ونشر سيجري، على حسابه الشخصي على «تويتر»، نص تفويض التحالف الدولي للواء المعتصم والقاضي بـ«استلام وإدارة المناطق التي تم السيطرة عليها من قبل قوات سوريا الديمقراطية». وحدد تفويض التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، 11 بلدة وقرية سيتسلم ادارتها لواء المعتصم، هي: المالكية، شواغر، مرعناز، منغ، عين دقنة، تل رفعت، الشيخ علي، حربل، كفر ناصح، مريمين، ودير جمال.
واشترط التحالف «أن يكون السلاح محصورا بيد قوات لواء المعتصم»، و«إعادة أهالي القرى مدنيين وجيش حر بدون سلاح»، و«حق دخول المدنيين الأكراد الى القرى تحت حماية لواء المعتصم».
من جهته، أكد سيجري في حديث إلى «القدس العربي» أن «المفاوضات تسير بالاتجاه الصحيح وتحرز تقدما، ومن الأفضل عدم الخوض في التفاصيل لحين انجاز الاتفاق».
وعلمت «القدس العربي» من مصدر متابع للمفاوضات أن لواء المعتصم «حصل على تفويضات خطية من فصائل الجيش الحر من أبناء البلدات المعنية بالاتفاق، إضافة الى تفويضات أخرى من الهيئات الثورية ومجالس الأعيان في تلك البلدات». ووصف المصدر التفويضات بأنها «تقوي موقف لواء المعتصم في المفاوضات المستمرة».
وتوقع المصدر أن «يصل الطرفان الى اتفاق مطلع الأسبوع المقبل أو خلاله على اقصى حد»، مضيفا أن «الاتفاق يناقش بعض القضايا التقنية فقط. اما الخطوط العريضة فالطرفان موافقان عليها».
وصرح أحمد السلطان، الناطق الرسمي في «جيش الثوار»، أحد ابرز التشكيلات المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية في منطقة عفرين، أن «المفاوضات جارية ولم يبت بالأمر حتى اللحظة، لكن من المتوقع خلال أيام قريبة أن يصار الى اتفاق، ولا نريد استباق الأحداث».
وتحفظ قائد لواء المعتصم ، أبو العباس، في اتصال مع «القدس العربي»، عن الإدلاء بأي معلومات أو تفاصيل عن سير المفاوضات، والنقطة التي وصلت اليها.
ومن المتوقع أن يسمح الاتفاق في حال اتمامه عودة نحو 300 ألف مدني وعسكري إلى قراهم، حيث تعتبر تل رفعت إحدى اكبر بلدات ريف حلب الشمالي. وسيخفف الاتفاق أعداد النازحين على الحدود السورية ـ التركية وفي المخيمات المحيطة ببلدة اعزاز، حيث تستوعب بلدة تل رفعت وحدها نحو مئة ألف من السكان، وربما تشجع الكثير من أهلها الذين هربوا الى ريف ادلب عبر عفرين على العودة إليها، باعتبارها منطقة آمنة وتخضع إلى منطقة «درع الفرات» المحمية من القصف الجوي الروسي.
ويأتي مشروع الاتفاق بعد مشاورات استمرت نحو شهرين متواصلين من العمل الدؤوب، بين لواء المعتصم والفعاليات المدنية والثورية في الريف الشمالي.
وكان البنتاغون قد عرض سابقا على لواء المعتصم واللواء 51، المنضويين في برنامج التدريب الأمريكي التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، مقترحا بدخولهما الى مدينة منبج شرق حلب. لكن تطورات الأوضاع الميدانية، وإدخال «قسد» لقوات من النظام السوري والروسي كقوات فصل بينها وبين فصائل «درع الفرات» والجيش التركي، عقّد مسالة حل عقدة منبج بشكل شبه نهائي.
من ناحية أخرى، فإن تسليم القرى والبلدات سيلقى ارتياحا تركيا الى حد كبير، رغم عدم إعلان أنقرة عن أي تفاصيل وتصريحات بهذا الخصوص، كونها تدرج حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري «وحدات حماية الشعب» على لوائح المنظمات الإرهابية لديها، وتعتبر «الوحدات» الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني.
فقرار تسليم البلدات الـ11 ينهي شبح وصل «كانتون» عفرين بمنطقة سيطرة «وحدات حماية الشعب» في منبج ومنطقة شرقي نهر الفرات. وهذا ما سيجعل تركيا اكثر ارتياحا في منطقة «درع الفرات».
ويتزامن الاتفاق مع قرار البيت الأبيض بدعم حليفه الكردي بأنواع جديدة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والعربات، في ظل توتر واضح في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، حيث فشلت زيارة وفد تركي رفيع برئاسة قائد الاستخبارات العامة حقان فيدان في إقناع البيت الأبيض بالكف عن دعم «المنظمات الإرهابية»، حسب التصنيف التركي. وهذا يسبق زيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن، للقاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الأسبوع المقبل.
أحد أسباب الاستعجال بالدفع الأمريكي باتجاه تسليم تل رفعت وباقي القرى المجاورة هو تخفيف التوتر مع تركيا وعدم إثارة غضبها مجددا، فمن الواضح أن واشنطن لا تريد اثارة غضب حليفها الكبير في الشرق الأوسط وصاحب أكبر جيش في الناتو. لذلك من المتوقع عقد اتفاق تسليم البلدات قبل وصول الرئيس التركي إلى واشنطن، بل تعمد واشنطن إلى محاولة إرضاء أنقرة دون التخلي عن «قسد»، وهو مايعني أن العلاقات ستبقى في حالة توتر.
تركيا بدورها تدرك إلى حد كبير أن أمريكا لن تتخلى عن «قسد»، وهو ما دفعها الى تغيير كبير في سياستها التي بدأت باستدارة كبيرة إلى روسيا، توجت في اتفاق أنقرة لوقف «إطلاق النار» ومن ثم إجبار الفصائل المقربة منها إلى حضور مؤتمر أستانة الأول، وحضور أستانة ـ 3 الذي أطلق اتفاق «مناطق خفض التوتر»، وكذلك قبولها بإيران كدولة ضامنة ثالثة إلى جانب روسيا.