من أشد المفارقات غرابة ان يكون اعتبار روسيا ان “الجيش السوري الحر” غير موجود بالمعنى الفعلي في الميدان، هو الذي أعاده الى التداول بعدما طواه النسيان لمصلحة القوى الجهادية. ولم يعد خافياً على أحد ان هذه القوى نفسها هي التي تقاتل النظام السوري بشكل اساسي ويأتي من بعد “داعش” و”النصرة” وفصائل لا تقل تشدداً عنها مثل “حركة أحرار الشام” و”جيش الاسلام”. وهناك مئات الفصائل الاخرى في سوريا ، لكن معظمها إما يبايع “داعش” وإما يبايع “النصرة” كي يحتفظ بحيز من الوجود والانتفاع من الاموال والاسلحة التي تتدفق من الخليج وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
أما الضجة التي أثيرت حول “الجيش الحر”، فهي نابعة من قرار اميركي مبدئي قائم على انه لا ينبغي ألا يستفيد النظام السوري من أي حرب على “داعش”. وفي المقابل استند التدخل الروسي الى قاعدة تناقض القاعدة الاميركية. فموسكو أعلنت ان تدخلها العسكري يرمي الى ضرب “داعش” ومساندة النظام في مواجهة القوى التي تقاتله. ومن هنا شمول الغارات الروسية أهدافاً تهدد النظام سواء أكانت عائدة الى “داعش” أم الى التنظيمات الأخرى. إلا ان المدهش ان يقفز “الجيش الحر” الى الواجهة في أجهزة الاعلام الغربية فجأة بهذه القوة.
واذا كان “الجيش الحر” يتمتع بوجود وازن في سوريا، فلماذا لم تعتمده الولايات المتحدة حليفاً لها على الارض ضد “داعش” وذهبت تبحث عن معارضين سوريين معتدلين وأنفقت 500 مليون دولار على بضع عشرات منهم في تركيا وعندما دخلوا سوريا لم يبق منهم سوى أربعة أو خمسة مقاتلين بحسب التقويم الاميركي لبرنامج التدريب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لم تعتمد أميركا مباشرة على “الجيش الحر” لمقاتلة “داعش” على الارض وذهبت الى الاستعانة بـ”وحدات حماية الشعب” الكردية أو بمقاتلين عرب متحالفين مع الاكراد في شمال سوريا وفي شمال شرقها؟
هذه الضجة الاميركية حول استهداف “الجيش الحر” تخدم غاية واحدة ألا وهي الضغط على روسيا لوقف غاراتها الجوية التي يمكن ان تشكل عامل دعم للجيش السوري النظامي وقت لا تمانع واشنطن في انضمام أي قوة في العالم الى القتال ضد “داعش” شرط ان يجري هذا القتال وفق القاعدة الاميركية القائمة على توجيه الضربات الى الجهاديين بالشكل الذي لا يخدم الجيش السوري. ذلك ان أميركا هدفها في الاساس هو اسقاط النظام السوري قبل القضاء على “داعش”، بينما جاء التدخل الروسي نقيضاً للمسعى الاميركي.
هذه هي حكاية “الجيش الحر”. وواشنطن تعلم قبل غيرها انه غير موجود إلا في الاعلام الاميركي.
النهار