لا تضع خطوة سحب القوات الأميركية التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأكراد أمام مخاطر عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية فحسب بل ستجعلهم أمام مفترق طرقات صعب والاختيار بين نار أنقرة أو الارتماء بين أحضان دمشق .
ويمهّد القرار أيضا الطريق أمام إيران لترسيخ نفوذها في المنطقة عبر ممر بري يربطها بالبحر المتوسط، وهو الهدف الذي لطالما طمحت إليه طهران وتصدّت له واشنطن.
ويرجح محللون أن يمكّن هذا السيناريو إيران من إعادة رسم خارطة المنطقة، كون هذا الممر يربط أراضيها بالعراق فسوريا وصولاً إلى لبنان. وينطلق منتقدو قرار ترامب من أنه سيسمح لإيران بتحقيق هدف استراتيجي، شكل منعه أحد أبرز أولويات السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في الشأن السوري جوليان تيرون “من الواضح أنه انتصار استراتيجي لطهران سيسمح لها بكسر المنطقة العازلة التي أرساها الغرب بين سوريا والعراق ومن ثم التموضع فيها”. وتنشر إيران مستشارين عسكريين ومقاتلين في سوريا بالإضافة إلى الآلاف من المقاتلين الموالين لها من دول عدة، دعماً لعمليات الجيش السوري.
ومن خلال مواقعها في سوريا والعراق، تمكنت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من تقييد الحركة إلى حد ما عبر هذا “الممر البري”. وشهدت المنطقة توترا متكرراً مع سعي كل من واشنطن وطهران إلى تأكيد حضورهما العسكري. وإلى جانب دعمها لنظام الأسد، تتمتع إيران بنفوذ كبير في العراق المجاور، من خلال فصائل شيعية منضوية تحت لواء الحشد الشعبي والتي تسيطر حالياً على البرلمان إثر الانتخابات التشريعية الأخيرة. وتلعب هذه الفصائل دوراً كبيراً في حفظ الأمن في محافظات عراقية عدة على الحدود مع سوريا.
ويورد تقرير صدر الأربعاء عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنه “يجب على البيت الأبيض أن يفهم أن عنصراً رئيسياً في سياسته تجاه إيران معرّض للخطر هنا؛ وتحديداً الجهد المبذول لمنع إيران من ترسيخ نفسها في سوريا، وإقامة جسر بري إلى لبنان، والتهديد المباشر لإسرائيل”.
كما، يفتح القرار الأميركي الطريق أمام تركيا لتنفيذ تهديداتها بشنّ هجوم جديد ضد الأكراد، الذين قد لا يجدون أمامهم، وفق محللين، إلا التعاون مع نظام الأسد للحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتهم.
وبعد أن كان الأكراد من بين أكبر الرابحين في الحرب السورية، سيصبحون أكبر الخاسرين من قرار الولايات المتحدة سحب قواتها التي ساعدتهم في المعركة ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية وفي ردع أنقرة ودمشق.
وبمساعدة الولايات المتحدة، انتزعت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد السيطرة على مساحات كبيرة من شمال وشرق سوريا من أيدي الدولة الإسلامية، لكنها تحذر من أن المتشددين لا يزالون يشكلون خطرا حتى رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هزيمتهم.
ولن يعرّض قرار ترامب الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية لخطر عودة الدولة الإسلامية فحسب بل يزيد من احتمال أن يتعرض شمال سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد لهجوم من تركيا وحلفائها من مقاتلي المعارضة السورية. وعلى النقيض من مقاتلي المعارضة السورية، فإن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية التي تقودها لم تقاتل قط للإطاحة بالأسد. بل إنها تعاونت معه في بعض الأحيان ضد خصوم مشتركين وفي وقت سابق هذا العام دخلت في محادثات سياسية في دمشق.
إلا أن هذه المحادثات لم تسفر عن شيء، فالأسد يعارض رؤية الأكراد لسوريا اتحادية تحافظ على حكمهم الذاتي الإقليمي. ويتطلع الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون، الذين يُنظر لهم على أنهم الرابحون على الأرجح من الانسحاب الأميركي، إلى استعادة الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والتي تمتد عبر ربع مساحة سوريا تقريبا والغنية بالأراضي الزراعية والنفط والمياه.
وقال مسؤول في التحالف الإقليمي المدعوم من إيران الذي يدعم الأسد إن الحكومة السورية ستسعى قطعا لاستعادة المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة. وفي المناطق الكردية بشمال سوريا، عمّق تحرك ترامب المخاوف من هجوم تشنه تركيا، التي تعتبر السيطرة الكردية على الشمال خطرا على أمنها وتطالب بإنهاء دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية.
وتطور الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية، التي تمثل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، من عام 2014 عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية في أوج قوته وكان الأكراد يقاتلون لمنع التنظيم من السيطرة على مدينة كوباني على الحدود مع تركيا.
وأثارت العلاقة غضب تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن تمردا منذ 34 عاما في جنوب شرق تركيا الذي يغلب الأكراد على سكانه. وتطورت العلاقات مع تمكن وحدات حماية الشعب من دحر مقاتلي الدولة الإسلامية بدعم من الضربات الجوية والقوات الخاصة من التحالف بقيادة واشنطن. وخسر تنظيم الدولة الإسلامية الآن معظم أراضيه في سوريا.
لكن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني قال الأسبوع الماضي إن خمسة آلاف متشدد على الأقل لا يزالون يقاتلون باستماتة في آخر جيب لهم شرقي نهر الفرات قرب الحدود العراقية. وذكر كوباني أن مقاتلين أجانب من بين هؤلاء وربما أيضا زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي. ويسيطر التنظيم أيضا على جيب صحراوي غربي الفرات في مناطق تخضع أساسا لسيطرة دمشق وحلفائها.
وأشار نواف خليل، وهو محلل متخصص في الشؤون الكردية وله صلات بقوات سوريا الديمقراطية، إلى التهديد الذي يمثله الكثير من الأعضاء السابقين في تنظيم داعش الذين اندمجوا مجددا في الحياة المدنية. ودفعت الهجمات التركية في سوريا هذا العام قوات سوريا الديمقراطية لأن توقف مؤقتا عملياتها ضد داعش. والآن تهدد تركيا بشن هجوم في شمال شرق سوريا مستهدفة وحدات حماية الشعب.
وقال أبوحاتم شقرا، القائد العام لتجمع أحرار الشرقية التي ستشارك في العملية، “عن قريب ستنطلق العملية شرق الفرات”. وأشاد بقرار ترامب.ويعتمد الكثير الآن على كيف ستدير الولايات المتحدة عملية سحب جنودها الألفين. وقال جوشوا لانديس وهو خبير في الشأن السوري ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما “إذا انسحب الأميركيون بسرعة فستكون هناك فوضى. وإذا دخل الأتراك فسيكون هناك سفك للدماء”.
نقلا عن صحيفة العرب