تزايدت مؤخرًا حوادث الانتحار عالميًا وعربيًا، وعلى عكس طبيعة البلدان العربية، شهدت السنوات الاخيرة ارتفاعًا في معدلات الانتحار بشكل ملحوظ. في التقرير التالي ننقل بعض الحقائق المتعلقة بإحصاءات الانتحار في العالم العربي التي قدمتها تقارير منظمة الصحة العالمية، وبعض المراكز الحقوقية، ونتلو ذلك بعرض أبرز حوادث الانتحار التي طالعتنا في 2016 وعرض الدوافع والأسباب التي أدت إليها.
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، ينهي 800 ألف شخص حياته بالانتحار كل عام، وهو ما يجعل ضحايا الانتحار أكثر من ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية. وفي الدول العربية، تحتل السودان المرتبة الأولى في نسبة الانتحار حيث بلغت 17.2% حالة لكل 100 ألف فرد، أما أقل دولتين عربيتين من حيث نسبة الانتحار فهما السعودية وسوريا. أما نسبة البلدان العربية تنازليًا كالتالي (النسبة لكل 100 ألف):
السودان: 17.2
جزر القمر 16.9
الصومال 12.4
المغرب: 5.3
قطر: 4.6
اليمن: 3.7
الإمارات: 2.3
موريتنيا: 2.9
تونس: 2.4
الأردن: 2
الجزائر: 1.9
ليبيا: 1.8
مصر: 1.7
العراق: 1.7
عمان: 1
لبنان: 0.9
سوريا: 0.4
السعودية: 0.4
ومع ذلك تقر منظمة الصحة العالمية أن هذه الأرقام ليست معبرة تمامًا، وذلك لأنه من المرجح أن عددًا كبير من محاولات الانتحار تحدث دون أن يُبلغ عنها، كما قد يصنف الانتحار خطأً في أغلب الأحيان على أنه ناجم عن سبب آخر للوفاة في بعض البلدان، حيث يكون ذلك في عديد الأحيان خوفًا من العار في بعض الثقافات، أما في البلدان التي لا يوجد بها تسجيل موثوق للوفيات، فإن المنتحرين ببساطة يموتون دون أن يحصى عددهم.
ورغم أن نسبة الانتحار بالدول المتقدمة (12.7) أعلى من نسبة الدول الفقيرة (11.2) فإن المنظمة ترجع سبب ارتفاع نسبة الانتحار في الدول ذات الدخل المرتفع مقابل الدول منخفضة الدخل إلى أن الدول مرتفعة الدخل (39 دولة) بها بيانات تسجيل حيوية جيدة حيث تسجل نسبة 95% من حالات الانتحار لكن الدول الـ 21 ذات الدخل المنخفض، تمثل بيانات التسجيل الحيوي بها نسبة 8% فقط من جميع حالات الانتحار المقدرة فيها.
وفي التقرير ذاته أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن حالات الانتحار تمثل نسبة 50% من جميع الوفيات الناجمة عن العنف بين الرجال و71% بين النساء، ويعد الانتحار ثاني أهم أسباب الوفاة في الفئة العمرية بين 15 – 29 عامًا. وهناك مؤشرات تفيد بأنه مقابل كل شخص بالغ مات منتحرًا، كان هناك أكثر من 20 شخصًا آخرين حاولوا الانتحار.
وقد شهد عام 2016 ارتفاعًا ملحوظًا في عدد حالات ومحاولات الانتحار في غزة من الشباب مقارنة بالأعوام الماضية، وأيضًا انتحار اللاجئين من السوريين وغيرهم في بلدان مهجرهم. وكانت أبرز أسباب الانتحار الأزمات المالية التي يمر بها من يحاولون الانتحار، والبطالة، والخلافات الأسرية والأزمات العاطفية، والإجبار على الزواج. وكذلك حدث عدد من حالات انتحار الأطفال، لأسباب أبرزها ضغط الأهل على الأطفال لإحراز التفوق الدراسي أو الرياضي، مثل انتحار بطلة المصارعة المصرية «ريم مجدي».
ننقل في السطور التالية عددًا من قصص الانتحار التي حدثت في 2016 في العالم العربي ونشرت عنها الصحف بعض التفاصيل.
الصومال
في ألمانيا أقدم لاجئ صومالي يبلغ من العمر 17 عامًا على الانتحار يوم الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2016 بإلقاء نفسه من الطابق الخامس بمجمع سكني لطالبي اللجوء القصر بمدينة شمولن بولاية تورنغن، وتوفي بعد ذلك متأثرًا بجروحه، وقد فشلت محاولات الشرطة والإطفاء في إقناع الفتى بعدم القفز، وقد كان خارجًا للتو من مصحة نفسية قبل الحادث بساعات، وقد تناقلت الصحف أن الجيران والمتفرجين الألمان كانوا يحضونه على القفز صائحين هيا اقفز، وقام بعضهم بتصويره. وكان الفتى الصومالي قد قضى أسبوعًا كاملًا في مصحة نفسية يتلقى علاجًا من الاكتئاب والصدمة التي أصيب بهما أثناء رحلة لجوئه إلى ألمانيا من الصومال.
غزة.. محاولة انتحار أبو الشهداء!
سُجلت 80 محاولة انتحار في قطاع غزة خلال شهرين فقط أول عام 2016 في يناير (كانون الثاني) وفبراير (ِشباط)، لأسباب معظمها يعود لما يعانيه أهل قطاع غزة من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، وذكر تقرير لمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن معدلات الانتحار في قطاع غزة ارتفعت من 30% إلى 40% خلال الأشهر الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من أعوام 2013 و2015، وذكر التقرير نفسه أن نحو 80% من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعاني 43% من شباب غزة من البطالة.
وفي الثالث من أبريل (نيسان)، أشعل مواطن فلسطيني (45 عامًا) من قطاع غزة النار في نفسه داخل إحدى المستشفيات وتوفي على الفور، ورغم أن إدارة المستشفى أصدرت بيانًا بأن المواطن يعاني من مرض نفسي، وأنه حاول الانتحار عدة مرات قبل ذلك، إلا أن مصادر محلية أرجعت سبب انتحاره إلى رفض إدارة المستشفى إعادة بطاقة الهوية له حيث كانت تحتجزها لدين لم يسدده للمستشفى يبلغ 500 شيكل، وهو ما يعادل 131 دولارًا.
في 13 من أكتوبر (تشرين الأول) أقدم تيسير أبو جامع (والد لخمس شهداء) على الانتحار، حيث حاول حرق نفسه في مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في غزة، لاحتجاجه على عدم اعتماد شهداء حرب 2014، باعتبارهم شهداء حرب، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في قطاع غزة، ولكن تدخل بعض المواطنين واستطاعوا منعه من الانتحار. وقد فقد أبو جامع 26 فردًا من عائلته من بينهم زوجته وخمسة من أبنائه، وكان يطالب المؤسسة بتقديم المساعدة له واعتماد ملفات الشهداء «لم أطالب إلا بجزء من حقوقي، لا أريد إلا ما يكفي قوت يومي».
تونس
في 10 نوفمبر (تشرين الثاني)، وفي واحدة من أغرب محاولات الانتحار، هدد شاب تونسي، بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بالانتحار من أعلى قبة ميدان المنقالة في العاصمة التونسية، مطالبًا ببقاء باراك أوباما الرئيس الأمريكي الحالي في منصبه.
انتحار أحد أعضاء حزب الله في لبنان
في 11 ديسمبر (كانون الأول) أطلق حمد رسلان (55 عامًا) –أحد أعضاء حزب الله- النار على نفسه وقال بعض معارفه أن السبب هو قطع راتبه من قبل الإدارة الأمنية للحزب، وعللوا ذلك بنقص الموارد المالية والتمويل الكافي، بينما قال البعض الآخر أنه هدد القيادة الأمنية في الحزب بفضحها وكشف عمليات الاختلاس التي يقوم بها بعض قاداتها بحسبهم، وأرجع آخرون السبب لاستبعاده من الجهاز الأمني الذي كان يعمل به لكبر سنه، وفشلت محاولة أحد أصدقائه في إرجاعه مرة أخرى لعمله. وجدير بالذكر أن رسلان كان يعمل حارس أمن لمنزل النائب البرلماني اللبناني حسن فضل الله
الجزائر
أعلنت مؤخرا الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان عن تسجيل حوالي 1100 حالة انتحار بالجزائر سنويًا، وعشرة آلاف محاولة انتحار أخرى لم تنجح، 80% منها بين الشباب والمراهقين. وذكرت الرابطة أن أغلب حالات الانتحار تأتي بسبب ظروف اجتماعية قاسية، حيث يبلغ العاطلون عن العمل نسبة 53% من المنتحرين.
في 24 فبراير (شباط) حاول ثلاثة شبان جزائريين الانتحار، وكانوا قد أضربوا عن الطعام من قبل أمام مقر ولاية ورقلة بسبب البطالة.
وفي 20 مايو (أيار) انتحرت صابرينا (26 سنة) قبل موعد زفافها بشهرين، حيث ألقت بنفسها في بئر تبلغ عمقها حوالي 17 مترًا. وتركت صابرينا لوالديها وأهلها رسالة تودعهم وتخبرهم عن سبب انتحارها، حيث قالت إن الفقر الذي يعيشون فيه لم يترك لها سببًا للحياة.
وفي 14 يوليو (تموز)، حدثت محاولة انتحار جماعية لمجموعة من المهاجرين غير الشرعيين (عددهم ثمانية وتتراوح أعمارهم بين 17 و 50 عامًا) بالقرب من ساحل رأس الحمرة لمدينة عنابة شرق الجزائر العاصمة، حيث أوقفتهم قوات حرس الحدود الجزائري وطالبتهم بتسليم أنفسهم، فهدد اثنان منهم بالانتحار حرقًا إذا لم تترك قوات الحرس المجموعة تواصل رحلتها، حيث كانوا يقتربون من المياه الإقليمية الدولية. ومع إصرار حرس الحدود ورفض المجموعة تسليم نفسها، أشعلت المجموعة النار في المركب الذي التهمته في ثوان معدودة، وأصيب من عليها بحروق بالغة قبل أن يلقوا بأنفسهم في الماء.
المغرب
تعتبر المغرب من أعلى الدول العربية في نسبة الانتحار، وكان من أبرز حوادث الانتحار في المغرب، انتحار خديجة السويدي (17 عامًا) في أغسطس (آب) الماضي. وكانت خديجة قد أشعلت النيران في نفسها لتموت حرقًا بعدما أُطلق صراخ مغتصبيها الثمانية. وكانت خديجة قد تعرضت لحادث اغتصاب جماعي حيث تناوب على اغتصابها وتعذيبها ثمانية أشخاص لمدة 48 ساعة وقاموا بتصوير عملية الاغتصاب على هواتفهم المحمولة وهددوها بعد ذلك بنشر مقاطع الاغتصاب على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان ذلك في أبريل (نيسان) 2015.
كانت خديجة قد حاولت من قبل الانتحار على قضبان القطار قبل ثلاثة أسابيع من انتحارها حرقًا ولكن تدخل الحراس لإنقاذها، كما ذكرت والدتها أنها تعرضت لحادثة اغتصاب أخرى نتج عنها طفلة تبلغ من العمر عامًا ونصف، تبنتها إحدى الأسر بالدار البيضاء، وطفلًا آخر توفي قبل مدة وعمره أربعة شهور لإرضاعه لبن البقر.
في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أقدم أب لخمسة أبناء على الانتحار بمدينة فاس بالمغرب، حيث انتحر شنقًا داخل دورة المياه في منزله، وكان يعاني من ضيق أحواله المادية وعدم قدرته على إعانة أسرته وأطفاله الخمسة مما تسبب له في أزمة نفسية وشعور عميق بالعجز أدى إلى الانتحار.
السودان
السودان هي الأعلى عربيًا من حيث نسب الانتحار، كما ذكرنا سابقًا
ومن قصص الانتحار في السودان، ما حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) حين انتحر ثلاثة أشقاء سودانيين بعدما تدهورت حالتهم الصحية وعجزت عائلتهم عن شراء الأدوية التي يحتاجونها. وكان سعر الدواء في السودان ارتفع في بعض الحالات ليصل ارتفاعه إلى نسبة 150%.
مصر
تصدرت الأزمات المالية والبطالة دوافع حوادث الانتحار في مصر. حيث أقدم شاب يبلغ من العمر 39 عامًا على الانتحار من فوق نفق محمد نجيب بمنطقة سيدي بشر محافظة الإسكندرية، في السابع من يوليو (تموز) الماضي، لسوء حالته النفسية ومروره بأزمة مالية وعدم قدرته على الحصول على عمل.
وفي الرابع من ديسمبر (كانون الأول) أقدم عامل على الانتحار أسفل عجلات القطار لمروره بضائقة مالية وفي التاسع من نفس الشهر انتحر شاب (17 سنة) بالمنوفية شنقًا، حيث كان يعاني من حالة نفسية سيئة لإصابته بحروق قديمة وضرورة إجراء عملية جراحية له تعذر إجراؤها بسبب عدم توافر المال اللازم، مما أدى لإقدامه على الانتحار.
إلى جانب ذلك، شهدت مصر عددًا من حوادث الانتحار بسبب الخلافات الأسرية والضغط الأسري والأزمات العاطفية. ففي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) أقدمت ربة منزل (32 عام) على الانتحار حيث ألقت بنفسها من نافذة منزلها بالطابق السابع بسبب اعتداء زوجها المتكرر عليها بالضرب، وفي 21 من نفس الشهر، ألقت فتاة في الثلاثينيات من عمرها بنفسها من الطابق الرابع، حيث حبسها والدها وأخوها في المنزل لهروبها منه، فأقدمت على الانتحار. وفي الثامن من ديسمبر (كانون الأول) انتحر شاب (21 عامًا) بالتل الكبير في الإسماعيلية شنقًا بغرفته، لمعاناته من حالة نفسية سيئة حيث لم يستطع الزواج بالفتاة التي ارتبط بها لظروفه المادية الصعبة.
انتحار الأطفال في العالم العربي
شهد عام 2016 عددًا كبيرًا نسبيًا من انتحار الأطفال في العالم العربي، لأسباب عديدة، منها الضغوط النفسية التي يمارسها الأهل لحث أبنائهم على التفوق الدراسي أو الرياضي أيضًا، وكذلك العنف الأسري، وغيرها من الدوافع… ومن بين حوادث انتحار الأطفال في العالم العربي نذكر الآتي:
انتحار السعودية سارة العتيبي
في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) انتحرت الطفلة سارة العتيبي (14 عام) في غرفتها شنقًا. واتهمت أمها زوجة أبيها بأنها وراء وفاة ابنتها. حيث فتح التحقيق في الحادث باعتبار الفتاة تعرضت لعنف أسري دفعها للتخلص من حياتها. بينما أكد والدها أن انتحارها جاء بسبب معاناتها من مرض نفسي.
انتحار بطلة المصارعة المصرية «ريم مجدي»
في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) انتحرت بطلة المصارعة المصرية الطفلة ريم مجدي ( 15 عام) حيث فتحت باب سيارة والدها وقفزت منها أثناء سيرها، وقد أبلغ والدها عن الحادث بأن الفتاة قد صدمتها سيارة، لكن التحريات كشفت أن الفتاة قد ألقت بنفسها من السيارة وذلك بسبب تعنيف والدها لها في التمرين حيث قام بركلها، واستمرت المشادة بينهما في أثناء طريق العودة للمنزل لعدم تركيزها في التمرين ثم لطمها على وجهها، مما أدى لإقدامها على الانتحار.
وريم هي أول لاعبة مصرية تفوز بلقب أحسن لاعبة في القارة الأفريقية، أما والدها فهو بطل مصر في المصارعة «مجدي يوسف».
ساسة بوست