الاتحاد السوفياتي دولة شيوعية (1917-1991)، تأسست بثورة اشتراكية في روسيا القيصرية، وتوسعت بضم 15 جمهورية فصارت أكبر دولة في القرن العشرين. قادت المعسكر الشيوعي العالمي سبعة عقود، وتقاسمت الهيمنة الدولية مع الولايات المتحدة ما بين 1945-1991.
معلومات أساسية
1- المساحة: 22402000 كلم مربع (نحو 15% من اليابسة على الكرة الأرضية)، 4.538.600 كلم منها بلاد إسلامية، وبلغ طول الاتحاد 10 آلاف كلم، وعرضه تراوح بين 3000-4500 كلم، وكانت تحده 12 دولة، وتحيط به ثلاثة محيطات وبحارها المتفرعة منها.
2- السكان: كان عدد سكان الاتحاد السوفياتي (كلمة “سوفيات” تعني بالروسية “المجلس”) عند انهياره عام 1991 حوالي 293.000.000 نسمة (تقدر مصادر عدد المسلمين بـ60-70 مليونا)، يتوزعون على 120 قومية عرقية ولغوية.
3- الحكم: تكون الاتحاد أساسا من 15 جمهورية يشكل المسلمون أغلبية سكان ست منها، وكان “مجلس السوفيات الأعلى” هو الجهاز الأعلى في السلطة، ويُنتخب بالاقتراع العام لمأمورية مدتها أربع سنوات.
يعين المجلسُ “مجلسَ رئاسة الدولة” الذي يمارس جماعيا مهام رئيس الدولة ويعين مجلس الوزراء. وتنتخب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي (كان الحزب الوحيد المسموح به، وانتسب إليه نحو 19 مليون عضو) المكتب السياسي برئاسة الأمين العام للحزب، وهي التي تتولى عمليا قيادة الحزب.
4- القوات: يقدر عدد القوات العاملة في الاتحاد السوفياتي بنحو 3.4 ملايين فرد، وقوات الاحتياط بـ5.2 ملايين، إضافة إلى 570 ألف عنصر تابعين لجهاز الاستخبارات (KGB) ووزارة الداخلية.
5- الاقتصاد: كان الأول عالميا في قطاع الطاقة بإنتاجه ما يعادل 20% من النفط العالمي، واحتل المرتبة الثالثة في إنتاج الفحم، وقفز نصيب الصناعة في الإنتاج الوطني إلى مستويات فوق 70%، ووصلت حصة الصناعة الثقيلة 74% من قطاع الصناعة الكلي.
بلغ إجمالي الناتج المحلي للاتحاد السوفياتي 2660 بليون دولار تقريبا، ومتوسط دخل الفرد 9130 دولارا (الإحصائيات السوفياتية الرسمية لعام 1990). وكان الاتحاد متطورا أكثر من الولايات المتحدة في بعض جوانب التقنية العسكرية لا سيما في حقل الأسلحة النووية.
|
التأسيس والتوسع (1917-1941):
تأسس الاتحاد السوفياتي إثر نجاح ثورة فريق البلاشفة (البلشفيك تعني بالروسية “الأغلبية“) في “حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي” بقيادة فلاديمير لينين ليلة 25 أكتوبر/تشرين الأول عام 19177 على الحكم القيصري في روسيا الذي أدخل البلاد في أزمات طاحنة بسبب انخراطه في الحرب العالمية الأولى.
طبق البلاشفة إصلاحات أبرزها الفصل بين الكنيسة والدولة وتأميم المصانع، ورقابة العمال على المنشآت الصناعية، وهو ما أثار معارضة قوية في البلاد حتى من زملائهم الاشتراكيين “المناشفة” (المنشفيك تعني الأقلية)، فدخلت البلاد في حرب أهلية دامت خمس سنوات (1917-1922)، حسمها البلاشفة لصالحهم بقوة الحديد والنار عبر أجهزة الأمن السياسي وكتائب “الجيش الأحمر”.
وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 1922 أعلِن قيام “اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية” بقرار من مجالس السوفيات في كل من: جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية، وجمهورية أوكرانيا، وجمهورية بيلاروسيا، وجمهورية ما وراء القوقاز.
وفي 1922 اختيرت موسكو عاصمة للاتحاد بدلا من مدينة “بتروغراد” التي سميت لاحقا “لينينغراد”، ثم أصبحت منذ عام 1991 تدعى “سان بطرسبورغ”. وتبنت الجمهوريات الأربع دستورا موحدا عام 1924.
وفي العام نفسه بدأ الاعتراف الدولي بالاتحاد السوفياتي، فكانت بريطانيا سباقة إلى ذلك وتبعتها إيطاليا وفرنسا، بينما لم تعترف به أميركا إلا عام 1933.
وفي سبتمبر/أيلول 1934 انضم الاتحاد إلى هيئة “عصبة الأمم” التي حلت محلها في 1945 منظمة الأمم المتحدة، وأصبح الاتحاد إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للمنظمة، مع امتلاك الاتحاد لحق النقض (الفيتو).
وخلال 1924-1940 انضمت أو ضُمت إلى الاتحاد السوفياتي جمهوريات أوزبكستان وتركمانستان (1924)، وطاجكستان (1929)، وأذربيجان وكازاخستان وقرغيزستان (1936)، وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومولدافيا (1940).
حاول لينين إحداث هيكلة كبرى في اقتصاد البلاد، فوضع منهجية الخطط الاقتصادية الخمسية التي أصبحت سياسة متبعة في كافة مراحل تطور الدولة السوفياتية.
توفي لينين عام 1924 فأصبح جوزيف ستالين -الذي صار أمينا عاما للحزب الشيوعي في 1922- خليفته في السلطة، ودخل في صراع شرس للتفرد بها مع مناوئيه من الرفقاء بقيادة ليون تروتسكي، واستطاع حسم الصراع لصالحه بدءا من 1927 بالقضاء على خصومه عبر ما عُرف بـ”المحاكمات الكبرى”.
أصدر ستالين دستورا جديدا مارس بواسطته دكتاتورية مطلقة في الحكم، واتسمت سياسته في هذه المرحلة بترسيخ منهج الخطط الخمسية، والتركيز أكثر على “التخطيط الاقتصادي”، وإلغاء القطاع الخاص بالكامل، وفرض الشيوعية في مختلف أقاليم الاتحاد.
كما شهدت هذه الفترة تطهيرا عرقيا عانت منه شعوب الجمهوريات والمناطق الإسلامية في القوقاز وتركستان وتترستان، وذلك بقتل مئات الآلاف منهم لأسباب مختلفة، وتهجير خمسة ملايين من المسلمين بصورة إجبارية من بلدانهم، وإحلال المواطنين الروس محلهم (حوالي 12 مليون روسي).
هذا إضافة إلى الحرب الثقافية التي منعوا بسببها من ممارسة دينهم (غلق أو هدم 10 آلاف مسجد بدءا من 1929)، وتعلم ثقافتهم الإسلامية (إغلاق 14 ألف مدرسة إسلامية)، وألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية الخاضعة للاتحاد سنة 1926، ومُنعت الكتابة بالحرف العربي بدءا من 1929، وفُرضت على المسلمين اللغة الروسية والأيديولوجيا الشيوعية.
|
الهيمنة والأفول (1941-1991):
رغم أن الاتحاد السوفياتي سعى عمليا لتطوير علاقاته السياسية والاقتصادية مع ألمانيا بقيادة أدولف هتلر فوقعت معه معاهدة عدم اعتداء في أغسطس/آب 1939 فإن ذلك لم يمنع الزعيم الألماني من غزو الاتحاد السوفياتي مساء 21 يونيو/حزيران 19411، في إطار سعيه لكسب الحرب العالمية الثانية التي كان نظام الاتحاد السوفياتي يسميها “الحرب الوطنية العظمى”.
ألحق الغزو الألماني خسائر كارثية بالاتحاد خاصة أنه تحمل عبء الجبهة الشرقية من الحرب طوال أربع سنوات، لكن ميزان القوة بدأ يميل لصالحه بدءا من انتصاره على الجيش الألماني في معركة ستالينغراد الحاسمة في فبراير/شباط 19433، ومرورا بتحرير جميع أراضي الاتحاد المحتلة في صيف 1944، وانتهاء باحتلال الجيش الأحمر السوفياتي برلين يوم 2 مايو/أيار 1945.
ومع انتصار الاتحاد السوفياتي في هذه الحرب فإن خسائره المادية والبشرية كانت ضخمة بكل المقاييس، إذ فقد أكثر من 10% من سكانه، و70٪ من منشآته الصناعية، و50٪ من ممتلكاته العقارية.
لكنه استفاد من تحالفه خلال الحرب مع الولايات المتحدة وبريطانيا في تعميق روابطه بهما، وتجلى ذلك في عقد رؤساء البلدان الثلاثة مؤتمر يالطا (فبراير/شباط 1945)، واتفاقهم على تنظيم سياسة العالم بعد انتهاء الحرب العالمية.
إلا أن هذا التقارب سرعان ما حلت مكانه هواجس الريبة ثم التنافس والصراع، وباجتياح الجيش الأحمر لبراغ (عاصمة تشيكوسلوفاكيا سابقا) يوم 28 فبراير/شباط 1948 وبقية دول أوروبا الشرقية وتأسيس أنظمة شيوعية تابعة له فيها، أنهى الاتحاد السوفياتي بالكامل تحالفه مع الغرب ودشن مرحلة “الحرب الباردة” معه.
وفي 1949 صنع الاتحاد أول قنبلة ذرية وأنشأ منظمة “الكوميكون” الاقتصادية لتوطيد سيطرته على الدول الاشتراكية، ردا علىمشروع مارشال الأميركي لدعم اقتصادات دول أوروبا الغربية التي دمرتها الحرب.
بعد وفاة ستالين عام 1953، تولى السلطة نيكيتا خروتشوف فكشف الفظائع التي ارتكبت طوال حكم ستالين وأقصى كل المحسوبين عليه، لكنه حافظ على مكانة الاتحاد السوفياتي الدولية، فعزز هيمنته العالمية حتى صار قطبا موازيا لأميركا في إطار حربهما الباردة، خاصة بعد إنشائه حلف وارسو العسكري الاشتراكي (1955) ليماثل حلف الناتو، وغزوه الفضاء لأول مرة عام 1957.
لكن ذلك لم يمنع خروتشوف من إعلان تبنيه سياسة التعايش السلمي الدولي 1954، رغم أن العلاقات مع الغرب وخاصة زعيمتهواشنطن ظلت تتوتر بين الفينة والأخرى، مراوحة بين الانفراج وحافة الهاوية التي وصل إليها البلدان مطلع الستينيات باندلاع أزمة نصب الاتحاد السوفياتي صواريخ بالستية في كوبا قبالة الحدود الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 1962.
اتخذ أعضاء مجلس الرئاسة السوفياتي قرارا في أكتوبر/تشرين الأول 1964 بعزل خروتشوف عن الرئاسة، وعينوا مكانه ليونيد بريجنيف الذي شهد عهده تحسنا في العلاقات مع أميركا أدى إلى توقيع البلدين “معاهدة سالت 1” عام 1972 للحد من الأسلحة النووية، كما عرف تزايدا للنفوذ السوفياتي بأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتم خلاله الغزو السوفياتي لأفغانستان نهاية 1979.
توفي بريجنيف في أكتوبر/تشرين الأول 1982 فخلفه الرئيسُ السابق لجهاز المخابرات السوفياتية (KGB) يوري أندروبوف الذي حاول وضع خطة للإصلاح الاقتصادي، لكنه لم يعمر طويلا في السلطة إذ توفي في فبراير/شباط 1984، وحل محله قسطنطين تشيرنينكو لكنه أيضا توفي سريعا في مارس/آذار 1985.
بعد تشيرنينكو جاء ميخائيل غورباتشوف إلى سدة الحكم، فوجد البلاد تئن تحت وطأة عقود من الركود الاقتصادي، بسبب التراجع المستمر لمعدلات النمو والفاعلية الإنتاجية، وتكاليف الحرب الباردة، وبرامج سباق التسلح مع الأميركيين، وخسائر الاستنزاف الحربي جراء التورط في المستنقع الأفغاني، وأزمة الحريات المستعصية في داخل الاتحاد.
أعلن غورباتشوف انتهاجه سياسة “الغلاسنوس” أي العلانية والشفافية في إدارة البلاد، وقدم خطة لإصلاح الأوضاع سماها “البريسترويكا” (إعادة البناء)، وتتضمن خطوطُها العريضة الاهتمامَ بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتحول إلى اقتصاد السوق، وإلغاء احتكار الحزب الشيوعي للسلطة وحظر التعددية الحزبية، وزيادة استقلالية المؤسسات المحلية، وإبعاد العلاقات الدولية عن العسكرة.
لم يستطع غورباتشوف تطبيق خطته كما ينبغي، بل واجهته بدءا من عام 1989 مشكلات اقتصادية كبيرة في الإنتاج والتوزيع، واضطرابات قومية في مختلف الجمهوريات السوفياتية، وأحداث عالمية حاسمة مثل انهيار جدار برلين وخروج دول أوروبا الشرقية من عباءة الشيوعية.
فاقمت هذه القضايا وغيرها النقمة على سياسات غورباتشوف من أوساط داخلية عديدة، وهو ما تجسد في انقلاب عسكري عليه نفذه يوم 19 أغسطس/آب 1991 رفاق له عُرفوا بـ”لجنة الدولة للطوارئ” بحجة إنقاذ البلاد من الانهيار بعد “فقدان غورباتشوف الأهلية لقيادة البلاد”، لكن رئيس جمهورية روسيا الاتحادية بوريس يلتسن تصدى للانقلابيين فأفشل مخططهم واعتقلوا جميعا.
عاد غورباتشوف يوم 22 أغسطس/آب 1991 إلى رئاسة البلاد، وفي اليوم الموالي قدم استقالته من رئاسة الحزب الشيوعي مما جعل البرلمان السوفياتي يصوت في 29 أغسطس/آب 1991 على إيقاف عمل الحزب وإغلاق مقاره.
أدت هذه الأحداث إلى تحريك النزوع القومي في الجمهوريات السوفياتية إلى الاستقلال، فلم يمر شهران حتى اكتمل استقلالها جميعا عن الاتحاد السوفياتي، وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 1991 أعلن انتهاء هذا الاتحاد بالكامل ودخوله في ذمة التاريخ، لتنتهي بذلك حقبة الحرب الباردة في السياسة الدولية، وتزول الثنائية القطبية في الهيمنة العالمية.
ومما ينسب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله تعليقا على حادثة تفكك الاتحاد السوفياتي: “من لا يراوده الأسى لغياب الدولة السوفياتية.. إنسانٌ بلا قلب، ومن يعاوده التفكير في إمكانية إعادة مثل هذه الدولة.. إنسانٌ بلا عقل”.