من القصر الرئاسي على تلة فوق دمشق، تبدو التوقعات أكثر تفاؤلا في الآونة الأخيرة، على الرغم من هدير القنابل وقذائف الهاون بالأسفل. فقد توقفت الانشقاقات في الجيش. كما خفتت الدعوات الأمريكية والأوروبية للأسد بالتنحي، منذ أغسطس عام 2013، عندما تراجعت أمريكا عن تهديدها بقصف النظام السوري لاستخدامه الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. والآن، فإن أميركا تقود ائتلافا لقصف خصوم الأسد من المتطرفين الذين يسمون أنفسهم الدولة الإسلامية (داعش)، مما يؤكد مزاعم الأسد بأنه يقوم بمحاربة الإرهابيين الخطرين بدلا من مواطنيه الذين يطالبون بالتغيير.
بالإضافة لذلك، فقد تسمح الضربات الأمريكية عن غير قصد للأسد بالتركيز على سحق الثوار الرئيسيين. فبحسب تقديرت المرصد السوري، وهي مجموعة مراقبة مقرها بريطانيا، قام النظام بشن 40 غارة جوية بالطائرات وطائرات الهليكوبتر وإسقاط براميل القنابل في محافظتي حماة وإدلب يوم 13 أكتوبر، أي ضعف العدد اليومي المعتاد (من 13-20 غارة)
كما أن عدم دعوة ممثلي التيار الرئيسي للثوار لاجتماع التحالف الدولي ضد داعش في 14 أكتوبر الماضي، يشير إلى أن أمريكا لا تعتبرهم شركاء عسكريين ذوي مصداقية، على الرغم من تعهدها بتدريب وتجهيز بعضهم. ويقول الأخضر الإبراهيمي، المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى سوريا: إن “الرئيس الأسد ومن حوله لا يشكون أبدا في أنهم سوف يفوزون.. وبالنسبة لهم كانت الحرب عدوانا من الخارج”.
ومع ذلك، فإن النظام قد يكون أكثر هشاشة مما يظن. فقد تزايد السخط، حتى بين زملاء الأسد من العلويين الذين يهيمنون على قوات الأمن السورية. فعندما وقع هجوم انتحاري بقنبلة في الأول من أكتوبر الجاري، أدى إلى مقتل العشرات من الأطفال خارج مدرسة في أحد الأحياء العلوية في حمص، هتف الناس في الجنازة: “الشعب يريد سقوط برازي”، في إشارة إلى محافظ المدينة، طلال البرازي. وكان ذلك يشبه الشعار الذي تستخدمه المعارضة.
في اللاذقية وطرطوس، اثنان من المدن الساحلية القريبة من معقل العلويين، الملصقات التي تحمل صور الجنود المفقودين تزين الجدران. فحينما استولت داعش على أربع قواعد تابعة للنظام في شرق البلاد هذا الصيف، وذبحت العشرات من الجنود وعلقت بعض رؤوسهم على مرتفع في الرقة، بدأت الأسر العلوية في فقدان الثقة في النظام. كما تعالت الاعتراضات أيضا على موقع الفيسبوك ضد الإسراف في زمن الحرب، بعد أن قام وائل حلقي، رئيس الوزراء السوري، بافتتاح مركز جديد للتسوق في طرطوس يقال إن تكلفته قد بلغت 52 مليون دولار.
نقطة ضعف أخرى بالنسبة للأسد هو الاقتصاد. فقبل الحرب، كانت إيرادات الحكومة تأتي من واردات النفط والضرائب، والقواعد الاقتصادية المتنوعة من الصناعة والسياحة والزراعة. إلا أن معظم هذه المصادر قد جفت الآن، بينما يعتقد أن الاحتياطيات الأجنبية التي بلغت 18 مليار دولار قبل الحرب، قد استنفدت. كما يكافح النظام لإنتاج ما يكفي من الكهرباء، رغم تناقص عدد السكان في البلاد. بينما لا يزال يمكنه دفع أجور الجنود، ورجال الميليشيات وموظفي الخدمة المدنية فقط بفضل أموال إيران، والتي تتحكم فيها التعاملات المشبوهة والعلاقات مع رجال الأعمال.
وعلى الرغم من أن الأسد لا يرى باراك أوباما على أنه تهديد مباشر في الوقت الراهن، إلا أن الضربات أقلقت أنصاره. كما غضب رجال الميليشيات الموالية له، من ادعاء الأسد بأن نظامه ينسق مع أمريكا في الحرب ضد داعش، والذين كانوا يعتبرون الصراع في سوريا جزءا من مؤامرة دولية من قبل نفس الدول التي تقاتل الجهاديين الآن. وبالنسبة لأولئك الذين يشككون في ذلك، فإن ضعف استجابة النظام للغارات الجوية غير المصرح بها على أرضهم هو نوع من الإذلال. عامل آخر هو الضغط من تركيا الذي لم ينجح حتى الآن، من أجل إقامة منطقة عازلة على الجانب الآخر من حدودها مع سورية لتوفير ملاذ للاجئين البالغ عددهم 3 مليون لاجيء، والذي سوف يخلق قاعدة جديدة للثوار يمكنهم منها محاربة النظام.
المفتاح إلى دمشق قد يكمن أيضا في إيران، التي ألمحت إلى أنها تسعى في المقام الأول إلى حماية مصالحها في سوريا، بما في ذلك مسار إمدادات حزب الله، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران في لبنان. ففي تناقض مع العراق، حيث ساعدت إيران على الإطاحة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فإن النظام في طهران لا يزال يدعم الأسد. ويعتقد بعض المحللين بأن ايران ربما تعيد النظر في هذه السياسة لسببين رئيسيين: أولا، صعود داعش الذي قد يجعلهم يفضلون التعاون مع الدول السنية مثل السعودية، التي تمول الكثير من المعارضة؛ ثانيا، انخفاض أسعار النفط، إلى جانب العقوبات الغربية، وهو ما يشكل ضغطا على الميزانية الإيرانية.
لذا؛ فإن احتمالات وجود صفقة للسلام تبقى ضئيلة. فالأتراك والسعوديون مستمرون في مطالبة الأسد بالتنحي. كما إن الدبلوماسيين الإيرانيين والروس يقولون إنهم ليس لديهم تأثير يذكر على الأسد، الذي تعهد بالقتال حتى النهاية.
وتتوقع بعض الشخصيات القريبة من الحكومة السورية انهيارا للنظام لا يعرفون موعده، وأنه سينتج عن ذلك فوضى ستجعل الحرب الحالية تبدو وكأنها لا شيء.
المصدر: إيكونوميست