يشهد العالم توتراً كبيراً في ظل انتشار فيروس كورونا الذي سيطر على معظم أنحاء العالم، ولكن من ناحية أخرى قدّم هذا المرض فرصةً كبيرة للأشخاص الذين لم يكن لديهم الوقت الكافي لإخراج إبداعاتهم وممارسة هواياتهم، وخاصةً أولئك الذين يأخذ العمل معظم أوقاتهم.
أما الآن ومع وجود الحجر الصحي الذي فُرض على العالم بأسره، ابتكر الناس أشياءً جديدة لتمضية وقتهم وتسلية أطفالهم، والاستمتاع بهذا الوقت، وكأن كورونا جاءت محنة ومنحة.
أما المحنة فقد تكلمنا وسردنا الكثير عنها، وأما عن كونه منحة فماذا أهدانا كورونا؟
لقد جعلنا نشعر بمكنوننا المخبأ خلف ثنايا إبداعنا المجهول.
لقد تكلمت مع بعض الناس لمعرفة كيف يمضون وقتهم في ظل هذا الخوف السائد:
#حدّثني معتز عن ممارسته لبعض الهوايات التي أتاحها الحجر الصحي له وقال : أتت العطلة كمحطة راحة ضرورية وممتعة بعد عمل دؤوب متعب، استطعت استغلالها بعدد من الهوايات المفيدة المهجورة سابقًا بسبب ضيق الوقت، كالقراءة، والتدوين، وممارسة الرياضة، والتواصل الاجتماعي.
وشرحت لي شيماء عن إنجازاتها وكيفية التعامل مع أطفالها ف هذا الوقت قائلةً لي: من ناحيتي لم يكن لدي وقت للقراءة والكتابة ولا لحفظ القرآن أيضاً، فاستغليت هذا الوقت في التسجيل بمعهد الإحسان لحفظ القرآن عن طريق النت، وأتممت تقريباً حفظ أول خمسة أجزاء، وأيضاً أصبحت أكتب مقالات وخواطر متفرقة، أما أطفالي فكنت أتابع دراستهم عن طريق النت، وألعب معهم لعبة السرعة البديهية لجدول الضرب، والسرعة البديهية للأحرف العربية ، وأكافئ الأسرع من بالاجابة الصحيحة بجائزة.
وأيضاً أخذنا نرسم على الكرتون أشكالاً متنوعة وجميلة ونضع لوحاتنا على حائط الغرفة.
أيضا من المواهب الجميلة كانت سيدرا، وهي طالبة في الجامعة ومعلمة في الصف ابتدائي، لم يكن لديها أي وقت فراغ فقالت لي: في بداية الحجر كان هناك صعوبة في التأقلم عليه، ومع مرور الوقت أصبحت أستغل أوقاتي، فبدأت النحت على الصابون وإخراج أشكال جميلة ومؤخراً بدأت تجربة النحت على البطيخ.
هديل طالبة سنة أولى في الجامعة حدثتني عن مصاعب السنة الأولى في الجامعة، وتنظيم الوقت كان من الشيء أصعبها فقالت: الحجر كان شيء جميل بالنسبة لي حيث استطعت أن أعوض سنة الإرهاق التي حظيت بها، فكان من إنجازاتي الأولى هي تقوية نفسي باللغة الإنكليزية، وأيضاً دخلت محاضرات تنمية بشرية عن طريق النت كنت بحاجة لدعم نفسي بها وكان من المستحيل حضورها، ولكن كان الإنجاز الصعب هو تنظيف أو ما أسميه تعزيل المنزل وكان هذا الإنجاز لأمي فما بين اليوم والآخر، تصبح حملة التنظيف هذه إدخال السعادة لقلب أمي.
وتحدثت أيضا مع إيمان وشرحت لي كيفية إمضاء وقت أطفالها فقالت: اخترعت لهم بمعجون لرسم أشكالاً جميلة ولعبنا سويةً فكانت تسليتهم من الشيء الصعب، وأيضاً مارسوا معي هوايتي وهي شغل الصوف الذي أصبح هوايتهم وأصبحوا يحيكون أشياء جميلة وألعاب يلعبون بها.
تكلمت أيضاً مع الآنسة قمر التي كانت مدرّسة في الصف الابتدائي، وكان وقتها محصور فقط في تدريس الأطفال فقالت: وقتي كان مليئاً بالأطفال ودراستهم والتحضير لألعاب لهم، الأمر الذي جعلني بعيدة عن أعمال المنزل حتى أدوات المنزل أصبحت لا أعرف مكانها حتى أسأل والدتي، وفي هذا الحجر تعلمت فن الطبخ الذي كان شيئاً صعباً وممل بالنسبة لي وتعلمت صنع الحلويات، وترتيب المنزل أصبح جزء من يومي.
أما آية التي كان وقتها مليء بأطفال الروضة و مشاغباتهم فقالت: صنعت باقات ورد من الورق الملون، وخطرت لي فكرة ابتكار شخصيات كرتونية تمثل بالعيدان ويقوم الشخص بتحريكها والتكلم بنبرات صوت مختلفة، تجذب الطفل وأنتجت ثلاثة مقاطع ، صنعت أوسمة للأطفال وتعلمت الزراعة، إضافة إلى تعلم اللغة الإنكليزية والتركية، فلم يكن لدي وقت لأتوسع بهذه الأمور .
فكانت هذه بعض الإبداعات التي يشغلون الناس أوقاتهم بها في ظل الخوف الذي يعم أرجاء العالم و حالات الاكتئاب التي أصيب بها أغلب الناس.
عسى أن تنتهي البشرية من هذه المحنة بسلام، وبأقل خسائر ممكنة رغم أنه أتيح للبعض منا فرصة العمل في البيت والاهتمام بالعائلة والقراءة أكثر، والتأمل وغيره وتعلم الكثيرون مواجهة التحدي بالتعاطف والتآلف والمحبة، إلا أن هذه الجائحة كانت قاسيةً وعصيبةً على العالم أجمع.
روان النمر/ قصة خبرية