كان لافتا أن أول خمسة أطباء فقدوا حياتهم بسبب فيروس كورونا المستجد في بريطانيا هم أطباء مسلمون، كانوا في الخط الأمامي لمواجهة الوباء الذي نال منهم أثناء قيامهم بواجبهم المهني لمساعدة المرضى المصابين بالفيروس.
والخمسة هم: البروفيسور المصري سامي شوشة والدكتور العراقي حبيب زيدي، والطبيبان السودانيان عادل الطيار، وأمجد الحوراني، والنيجيري ألفا سعادو. والأمر نفسه حصل في بقية الدول الأوروبية خاصة إيطاليا، التي فقدت عددا من الأطباء العرب، وما زال عدد آخر يتلقى العلاج.
وبينما كان هؤلاء الأطباء الأكفاء ذوي الأصول المسلمة يمدون يد العون للنظام الصحي المستنفر في حربه ضد الوباء، قام عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لمحمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، بإطلاق تغريدة مثيرة، قال فيها على حسابه في تويتر: «ينكب علماء وأطباء في 5 دول لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا معظمهم من قوم عيسى وموسى وبوذا وعندما يجدون العلاج سيعم العالم فرح كوني».
ورغم الطريقة المهذبة التي ختم عبد الله تصريحه فيها فإن المقصود كان واضحا وهو أن العالم الإسلامي الذي يقدر بستين دولة تنضوي 57 منها تحت سقف «منظمة التعاون الإسلامي»، أو عموم المسلمين الذين يبلغ عددهم تقريبا ربع عدد سكان العالم، أو «قوم محمد»، لو أردنا استخدام طريقة الأكاديمي المعروف في التعريف، هم خارج إطار المعرفة العلمية والطبية التي تؤهلهم ليشاركوا بقية الدول والشعوب في العالم في تطوير لقاح ضد وباء يفتك بكل شعوب العالم، وما عليهم سوى أن ينتظروا عمل قوم عيسى وموسى وبوذا لتوفير دواء لهم وإنقاذهم، فما هم سوى مستهلكين لا للمعرفة البشرية وطرق الحصول عليها فحسب، بل لكل شيء آخر (باستثناء النفط والغاز والقمع ربما).
كان يمكن طبعا عدم أخذ التصريح على محمل الجد فهو ليس موضوع أطروحة علمية أو مقالة بل مجرد «تغريدة» على موقع للتواصل الاجتماعي، لولا أن عبد الله كاتب وأكاديمي مختص بالسياسة ولديه عدة كتب تتناول قضايا السياسة والثقافة في الخليج والمنطقة العربية والعالم، وأن «التغريدات» صارت عمليا طريق الساسة والنخب الثقافية لإيصال رسائل سياسية وفكرية وعلمية بطريقة مقتضبة وسريعة لتصل إلى الجميع، وبذلك صار للتغريدات مصداقيّة وصار إطلاقها مسؤولية يتحمل كاتبها الآثار المترتبة عليها، وربما تغيّرت سياسات وانقلبت بورصات أو تحرّكت جيوش إذا كان صاحب التغريدة شخصا مسؤولا، كما تفعل تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعالم، على سبيل المثال.
لا يمكن أن ينكر المرء، بداية، الحال العلميّة والمعرفية البائسة للدول والنخب في البلدان الإسلامية، فهذا تحصيل حاصل، غير أن الربط بين الازدهار العلمي والمعرفيّ بأديان عيسى وموسى وبوذا، ورمي «قوم محمد» بالتخلف والتأخر العلمي ليس توصيفا لحال البلدان بل ربط للدين الإسلامي، الذي وردت كلمة العلم في كتابه الكريم 85 مرة، وابتدأ نزول قرآنه بكلمة «اقرأ»، بالتخلف والتأخر العلمي، وهما أمران مختلفان.
ومن المعروف أن أسباب فشل الأمم ونخبها العلمية مرتبط بأنظمتها السياسية، وهي في أغلب الدول العربية مبتلاة بحكومات فاسدة وقمعية تسوس شعوبها بالنار والحديد، وأن هذه الأسباب هي التي تجعل من هذه الدول، وبعضها شديد الثراء والسطوة والنفوذ، كما هو حال الإمارات نفسها، ولكن موقعها في عالم المعرفة البشرية ضئيل. ولهذه الأسباب نفسها، ساهم كثيرون من الذين جاؤوا من بلدان إسلامية (سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين)، بشكل ملحوظ في المجهود العلمي والبحثي للبلدان التي هاجروا منها، من ضمنهم أسماء لعلماء مثل المغربي منصف محمد السلاوي، رئيس مجلس إدارة اللقاحات في شركة غلاكسو سميث كلاين، ومثل السوري حنين مصعب، الذي هاجر إلى أمريكا عام 1947 وكان رئيسا لقسم الأوبئة في جامعة ميتشغان وطور لقاح الأنفلونزا الذي رخص عام 2003، ويمكن رفد هذين الاسمين بقائمة طويلة أخرى من العلماء والأطباء والفلاسفة والباحثين.
يصبّ خطاب عبد الله عمليا، في السياق الذي تزعم قيادة بلاده السياسية محاربته، وهو الاستخدام السياسي للدين، والذي نجد أسوأ أشكاله في إسرائيل التي تبنت قانون «يهودية الدولة» فجعلت باقي السكان من الدرجة الثانية، وإذا كنا نجده في أشكال التطرف الجهادي المسلح لدى تنظيمات كـ»الدولة» و«القاعدة»، وكذلك في تنظيمات اليمين المسيحي والبوذي المتطرف، فإن أصله وفصله يعود إلى الاستبداد والاحتلال، وهما قاعدتان مركزيتان في السياسة الداخلية والخارجية للإمارات.
المصدر: القدس العربي