على العشاء عند أصدقاء، يفتح مروان، صاحب المنزل، إحدى الشرفات ويشير إلى الرصيف المقابل حيث أكوام من البطانيات ممددة ومتلاصقة على الأرض ويرقد تحتها أفراد أسرة من أعمار مختلفة.
هذه الأسرة التي يقول مروان أنها كلدانية سورية، تغيب عند الفجر وتعود لتفترش الرصيف ليلاً في أحد أرقى الشوارع الباريسية. كل ما يعرفه هو أن أفرادها لاجئون من سورية، على رغم أنه لم يتسنّ له الحديث معهم. لكنه يوضح أنهم يأتون بصمت للنوم ويختفون بالطريقة ذاتها عند الصباح «خوفاً من التسبب بأي إزعاج للسكان»، كما يعتقد.
ومروان الذي يعرف معنى اللجوء كونه من أصل فلسطيني، يشعر بالتأثر حيال أوضاع هذه الأسرة، لكن أقصى ما يمكن أن يفعله هو أنه يضع من حين إلى آخر بعض الطعام وقليلاً من النقود على الرصيف الذي يفترشه أفراد الأسرة السورية. وهو يتساءل عما سيحل بهم، لا سيما الأطفال، عند اشتداد البرد.
وبالطبع، فإن حل مأساة هذه الأسرة يفوق طاقته وطاقة بعض سكان الشارع الذين باتوا على تماس مع الحرب في سورية نتيجة وجود الأسرة اللاجئة تحت شرفاتهم.
وعلى غرار هذا الشارع، هناك شوارع باريسية عدة تتحول أرصفتها ليلاً إلى مأوى للاجئين من سورية والعراق وغيرهما من الدول التي تشهد حروباً. ويصعب تحديد عدد هؤلاء كونهم لم يصلوا إلى فرنسا عبر قنوات اللجوء الشرعية. ولهذا السبب يتعذر على غالبيتهم الاستفادة من المساعدات التي أقرتها السلطات الفرنسية لتجنيب اللاجئين التشرد، إذ إن هذه المساعدات تقتصر على الأشخاص الذين تقدموا بطلب لجوء إلى الأراضي الفرنسية. بالتالي فإن الوافدين غير الشرعيين وأولئك الذين انتقلوا إلى فرنسا بعد تقديم طلبات لجوء إلى دولة أوروبية أخرى يمثلون معضلة شائكة، إذ يتوجب على السلطات الفرنسية ترحيلهم إلى دولهم أو إلى الدول التي طلبوا اللجوء إليها.
وتعد أزمة اللجوء التي تشهدها فرنسا وأوروبا عموماً الأكبر حجماً منذ الحرب العالمية الثانية وتشكّل مأساة مؤلمة من الصعب إيجاد حلول فورية لها. وما يزيد من تعقيد الحلول الممكنة الانقسام القائم بين الفرنسيين المتعاطفين مع اللاجئين وأولئك الذين يرون في وجودهم خطراً أمنياً واجتماعياً تغذيه إلى حد كبير مواقف بعض الشخصيات في المعارضة اليمينية وقادة اليمين المتطرف. وهذا الانقسام أبرزته صحيفة «ليبراسيون» في تحقيق مفصل حول اللاجئين عرض للتباين في المواقف بين سكان المناطق التي يفترض أن يتوزع عليها من ٨ إلى ١٠ آلاف لاجئ يقيمون في ما يسمى «الأدغال» بمدينة كاليه الشمالية.
والمضحك المبكي وسط محنة اللاجئين هو أنهم عرضة لانتحال الشخصية، إذ عرضت القناة الثالثة في التلفزيون الفرنسي شريطاً تظهر فيه نساء – برفقتهن أولاد – يحملن لافتات صغيرة تقول أنهن من سورية. وعند سؤالهن عن مكان إقامتهن في سورية، يُجبن بالعربية أنهن من حلب وفي حاجة إلى بعض النقود. ويتضح للصحافي الذي صوّر الشريط بعد استرساله بمخاطبتهن بالعربية أن كل ما يعرفن قوله بهذه اللغة هو عبارات قليلة كونهن فعلاً… من رومانيا!
الحياة