سعى بشار الأسد بنفسه عبر ” مجتمعه المتجانس” ثم وصفه للمعارضين له ” بالثيران” وللذين خرجوا مظاهرات ضده من المساجد ” بأنهم غير مؤمنين”، لتقسيم السوريين وتنميطهم، إضافة لاستخدامه للمؤسسة الدينية بحكومته، بدءا من البوطي ومرورا بالمفتي حسون، وصولا للوزير عبد الستار السيد، للعب الدور نفسه في إظهار المعارضين له أنهم عملاء وخونة للوطن. فهل إيجاد الأسد المجمع العلمي الفقهي سيوسع دائرة “العمالة والخيانة” لجميع طوائف المعارضة للنظام؟
شن الأسد منذ اندلاع الثورة السورية ضده حملة إعلامية استهدفت المعارضين له عبر أبرز رجال المؤسسة الدينية من البوطي وحسون والسيد إضافة لبشير عبد الباري مفتي دمشق صاحب خطبة” صفات المؤمن” التي تقصد بشار الأسد.
النظام يسعى لتكريس الانقسام
صرح الأسد علنا نيته المحافظة على ما أسماه ” المجتمع المتجانس” دون أن يحدد هويته، وبالطبع، قصد بذلك جميع المعارضين له ممن وصفهم بالجراثيم والثيران. فبدلا من احتواء المعارضين وتوحيد الشعب السوري زاد الشرخ بين فئات المجتمع السوري بسبب سياسة الأسد الإقصائية ولعبه على وتر الطائفية منذ اتهام مستشارته بثينة شعبان المعارضين” بالسلفيين المندسين”! ثم أنشأ في الأربعاء 20-11-2019 المجلس العلمي الفقهي التابع لوزارة الأوقاف وتعيين عبد الستار السيد رئيسا له، حيث تنامي نفوذه تدريجيا إلى أن أطاح بالمفتي أحمد بدر الدين حسون مؤخرا، بعد صراع على السلطة بين الحسون الحلبي، وعبد الستار المنحدر من طرطوس، وارثا زعامة دينية عن والده، ويبدو أن عبد الستار قد حاز على ثقة الأسد ودعمه. ورغم ذلك يسعى الأسد للظهور كموحد لطوائف السوريين فيقول خلال تأسيس المجمع الفقهي بقانون رقم 31 عام 2018 ” إن أئمة المذاهب تركوا لنا مدارس فقهية ولم يتركوا لنا طوائف ولو علموا أنهم سيتركون لنا طوائف ما تركوها لنا”.
بيان المجلس الفقهي يكرس التقسيم بما ينسجم مع سياسة النظام
جاء في بيان الاجتماع التأسيسي للمجمع الذي عقد بمبنى وزارة الأوقاف بدمشق بحسب ما نقلته صحيفة الثورة التي تصدر بدمشق في الأربعاء 20-11-2019، أنه يهدف ” لمواجهة فكر أعداء الأمة والصهاينة”، وهنا يحدد من هم، ” والمتطرفين والتكفيريين وأتباع الإسلام السياسي وإخوان الشياطين الذين مالبثوا يبثون الفتن لتمزيق الأمة وتشتيت قوتها بعيدا عن أهدافها”. فهذا البيان المسيس يظهر بجلاء، أن المجلس العلمي الفقهي سيأخذ دور المدافع عن نظام الأسد وأن يكون بوقا للسلطة السياسية بدون أن ينأى بنفسه للاستقلال. فالفتوى لا بد أن تكون مستقلة وغير ملزمة، ونابعة من الشعب، في حين أن القضاء الملزم يتبع لحكومة الدولة.
التمهيد للمجلس حديثا
طفا الصراع الديني المتراكم للسطح جليا بين المفتي حسون ووزير الأوقاف عبد الستار السيد إثر تفسير الحسون لسورة التين أنها خارطة سوريا، ومن ولد فيها فهو ” في أحسن تقويم”، ومن غادرها فهو يرد لـ” أسفل سافلين”. فيأتي انتقاد المجلس لتفسير من باب المشابهة للتكفيريين واستخدام القرآن “لأغراض جاهلية عصبية” وفقا لبيان المجلس. إلا أن الأمر يبدو وكأنه مهيأ مسبقا لاستبعاد المفتي وحان وقته الآن. ففي 2005 عيّن بشار الأسد حسون مفتيا عاما لسوريا بمرسوم حمل رقم 302، ثم أصدر عام 2018 قانونا منح وزير الأوقاف مزيدا من الصلاحيات وحدد ولاية المفتي بثلاث سنوات قابلة للتمديد، ثم عزل الأسد حسون بعد 16 عاما – مؤخرا- بمرسوم رقم 28، ألغي بموجبه منصب المفتي، وغاب معه حسون عن الواجهة، بانتظار مصير، ربما يشبه مصير البوطي.
سيضم المجلس الفقهي جميع الطوائف السورية بعدأن انحصرت عملية الإفتاء للأكثرية السنية في البلد. ولكن سيكون له رأي موحد سلطوي تجاه معارضي النظام بمختلف تياراتهم وانتماءاتهم ورميهم بالتهم والانحراف فضلا عن العمالة والخيانة للوطن، ولكن بموافقة طوائف أوسع.
مقال رأي/ محمد إسماعيل
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع