منذ أن انطلقت الثورة السورية قبل أربعة أعوام وثلاثة أشهر، يحصر بشار الأسد ألاعيبه، الموجهة أساساً لابتزاز المجتمع الدولي، تحت عنوانين اثنين لا ثالث لهما. فالمناهضون له هم مجرد إرهابيين وليسوا ثواراً، وحماية الأقليات حكر عليه خصوصاً أن الأقليات بتنوعها هي من أبرز مصادر الغنى الفكري والثقافي وحتى الاقتصادي الذي تتميز به دول هذه المنطقة.
فقد أطلق الأسد، الذي لطالما روّج زوراً لعلمانية نظامه، مقولة حماية الأقليات من الساحة المسيحية حيث حقق نجاحات، ليستهدف بعدها الموحدين الدروز من دون أن يتمكن حتى الآن من حصد نتائج مفيدة.
فقد تنامت مخاوف المسيحيين مع انتقال الثورة الى التسليح، خصوصاً أن احتكار الأسد لحماية الأقليات، لاقى تجاوباً من قادة مسيحيين روحيين وزمنيين في سوريا وخارجها، بما ساهم في نجاح عملية “التدجين” وفق تعريف سياسي لبناني سيادي. فمن قضية راهبات معلولا التي وجدت حلهّا، الى أزمة اختطاف مطرانين ما زال مصيرهما مجهولاً، الى تهجير مسيحيي الموصل ومن ثم الأزيديين في العراق، نجح الأسد في جمع قادة الكنائس تحت عباءة أمن النظام. ويلفت المصدر الى أهمية هذا النجاح. فلو كان الأكليروس المسيحي متفلتاً من سطوة النظام والخوف لكانت لشهاداته ولمواقفه ارتدادات واسعة خصوصاً في الغرب قياساً على سابقة شهادات الراهب باولو دالوليو الذي انحاز منفرداً الى الثوار قبل أن تعتقله “داعش” في تصرفات تصب حكماً في مصلحة النظام الذي سبق له أن أطلق بعضاً من قياداتها من سجونه “لتلطيخ براءة الثورة”.
واليوم أتى دور الموحّدين الدروز. فثمة تزامن لافت للمجزرة التي ارتكبها أمير تونسي من “جبهة النصرة” بأبناء قلب لوزة، مع سقوط قاعدة “اللواء 52 ” وقرى محيطة في الجبهة الجنوبية بأيدي الثوار بما يقربهم من خط الدفاع الأول عن دمشق، ومع سيطرة الثوار على مطار الثعلة الاستراتيجي في محافظة السويداء رغم الانسحاب لاحقاً في إطار تبريد الأوضاع وفق مصدر التقى مؤخرا، خارج لبنان، شخصيات من كبار موحدي محافظتي إدلب والسويداء.
ويلفت المصدر الى سهولة الحل لقضية إدلب حيث لا يتعدى العدد 20 ألفاً. أما في السويداء حيث تتركز الغالبية فالقضية أكثر تعقيداً لأسباب منها احتفاظ النظام بموالين حتى بين بعض المشايخ، ومنها فئة محايدة لكنها خائفة، ومنها فئة قليلة تدعم علناً الثورة. ويراهن المصدر على وقع دعوة الشيخ وحيد بلعوس لـ”الحياد الإيجابي” سواء تجاه الثوار أو تجاه النظام خصوصاً عبر منعه من استخدام أربع قواعد عسكرية هامة ومجهزة متوزعة داخل السويداء في اشتباكات مع خارجها.
ويشدد السياسي السيادي على أهمية دعوة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أبناء ملته للمصالحة مع النسيج الاجتماعي الطاغي، أي السنّي، بدل الاندراج تحت مظلة النظام لحماية الأقليات. ويرى أنه بذلك كمن يشتري “بوليصة تأمين” للمستقبل، معرباً عن أمله بأن يشكّل موقف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، الرافض لأن يكون إرهاب “داعش” سبباً للقبول بإرهاب الأسد وبضرورة رفض الإرهابين معاُ. فيما يعتبر مثلاً النائب ميشال عون حماية الأسد للأقليات “خشبة الخلاص الوحيدة”.
أما بشأن الإنجازات التي حققها النظام الأسدي تحت عنوان “إرهابيون لا ثوار” فهي جليّة ولا جدل حولها. فقد نجح، باعتماده على القوة العسكرية المفرطة وحدها، في دفع الثورة من “سلمية، سلمية” ومن “الشعب السوري واحد واحد” الى أن تصبح ثورة مسلحة، فعنفية، ومؤخراً الى ثورة ذات طابع إسلامي “متطرف” وحتى “إرهابي” يخشاه الغرب ودوائر القرار. ويرى المصدر أن الأسد يواصل عبثاً مساعيه لابتزاز المجتمع الدولي بشعار فقد عملياً فعاليته أي شعار “أنا أو داعش وأخواتها”. إذ في مقابل وضوح التفاهم الدولي على أن الأسد بات خارج مستقبل سوريا، ما زال العائق الأساسي، ينحصر في غموض التوافق على البديل، للسير على طريق إنجاز حل سياسي لمرحلة انتقالية.
ربى كبّارة – المستقبل