صرح السفير الأميركي السابق لدى دمشق روبرت فورد قبل فترة وجيزة ، والذي أستقال أحتجاجا على تردد الرئيس السابق باراك أوباما في الشأن السوري ولا يزال على أتصال بكثير من أطراف الصراع- “علينا أن نكون واقعيين، فهو لن يرحل” . المقصوط بالطبع هو الأسد .
هل يمكن تخيل رحيل بشار الأسد عن السلطة دون أي سابق أنذار ضمن شريط خبر عاجل يكتسح شاشات الأعلام ؟؟
وبعبارة أخرى هل بالأمكان الحديث عن مستقبل الدولة السورية بعيدا عن بشار الأسد ؟؟
أعتقد بأن هذا الموضوع الشائك قد أستحوذ على كافة الجوانب والأحتمالات وأرتوى من زيف الأمال المعولة على الأطراف الداعية للقضاء على دكتاتور دمشق في ظل مجتمع دولي يعاني من عمى الألوان والأخلاق والقيم ، وبينما يخرج علينا الأسد متباهيا لأعلان نصره الملطخ بدماء الأبرياء يعاني الشعب السوري من مأساة ثلاثية الأبعاد دفعت الملايين منهم للنزوح والهجرة بالأضافة الى مئات الالاف الذين فقدوا حياتهم جراء تلك الحرب الشعواء ضد الأصوات التي طالبت بالحرية والعدالة والمساواة .
وكما يتعايش مريض السرطان المزمن مع مرضه المميت بحزن ويأس عميقان ، يتعايش الشعب السوري مع حقيقة بقاء الأسد رئيسا لما يسمى الدولة السورية ( أو ماتبقى تحت مظلة الأحتلال الروسي والأمريكي والايراني ) .
وضمن ذات السياق ، فأن التزواج القديم الجديد بين توجهات السياسة الدولية و بين سيرورة عجلة المكاسب أنجيت عدة أبناء غير شرعيين يتم أستخدامهم عن الضرورة ؟؟ حيث يتعامل المجتمع الدولي متمثلا بالقوى الكبرى مع بشار الأسد كالأبن الغير الشرعي ، فيمنحه الرعاية والدعم اللازمان لأستمراره رئيسا للبلاد كدكتاتور معاصر ، في حين لايعترف به على الملأ !!
وعلى مايبدو فأن بشار الأسد يدرك تلك الحقيقة ويستثمر شروره داخل أروقتها الظلامية مستخدما أقذع الصفات لوصف الأشخاص والجهات الرافضة لوجوده . وعبرالأسد عن ذلك في كلمة له خلال أفتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين بالأمس ، بقوله “إن الثوار الحقيقيين هم أصحاب القيم الإنسانية، أما من وصفوهم بالثوار ليسوا أكثر من حثالة , كما شدد على أنه لن يسمح للإرهابيين ومن يدعمهم بتحقيق أي مكسب لا عسكرياً ولا سياسياً، معرباً عن شكره لكل من روسيا وإيران والصين وحزب الله لوقوفهم إلى جانب سوريا “.
ويجدر الأشارة في سياق المقال ، بأن الماكينة العسكرية التابعة للأسد و مرؤوسيه ( روسيا وايران ) و في الأشهر الأخيرة قد نجحت في إكمال السيطرة على ضعْفين ونصف من الأراضي التي كانت بحوزته مؤخراً ، بالأضافة وكما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري أن وحدات من قوات النظام بالتعاون مع من أسمتهم الحلفاء، واصلت تقدمها في عمق البادية وأستعادت السيطرة على بلدة حميمة بريف حمص الشرقي. وأضافت أن تلك القوات قضت على أعداد من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ودمرت أسلحتهم وعتادهم .
ويعزى التراجع العسكري لقوات المعارضة أمام زحف الأسد وحلفائه لسببين رئيسيين ..
الأول : يتمثل بالشجار الداخلي في البيت الخليجي وماله من أثر رجعي على قوات المعارضة عقب أعلان الدوحة أنضمامها الى المعسكر الإيراني كعقاب أستراتيجي للرياض .
أما السبب الثاني : هو أعلان سياسي واشنطن العجوز المخادع “ترامب” القبول ببقاء الأسد كقبلة حارة على خد العشيقة السرية موسكو ، وقد ظهر ذلك جليا في أعلان البيت الأبيض أيقاف مشروع تسليح المعارضة السورية .
وقد تعمقنا كثيرا في مقالات سابقة حول تحمل بعض أطياف المعارضة السورية نتيجة فشل مساعيها عبر الأرتهان للدول الداعمة مقابل الألتفاف حول الحاضنة الشعبية بالداخل ، فكان لزاما عليها تلقي الصفعات المتتالية من #الدوحة و #واشنطن و #أنقرة .
مصير الثورة السورية ؟؟
من الواضح تماما بأن الأحداث التي تدور في فلك #الثورة_السورية تنذر بعواقب وخيمة نكاد نتلمس بعض بوادرها ، مما دفع بالبعض من مؤيدي تلك الثورة المجيدة بضرب أجراس الإنذار بصوت عال وسريع في البلاد على أمل أن تسمع المعارضة السورية أستغاثات النجدة وترفع شعار الولاء للشعب قبل الركوع للداعم !!
والى ذلك ، فقد صعق جهور الثورة وأصيب بالأحباط عقب تداول خبر قبول الأئتلاف المعارض الجلوس مع أعضاء منصتي القاهرة وموسكو وتجاذب أطراف الحديث والأنصات الى أعوان الأسد (قبل رجوعهم الى حضن الدولة )!!
حيث تعد منصتا “القاهرة” و”موسكو” والذي تم الإعلان عنهما في مصر وروسيا عام 2014، ويعلنان أنهما يمثلان طيفا من المعارضة السورية ، إلا أن بعض أطياف المعارضة الأخرى ترى أنهما تحابيان روسيا ونظام بشار الأسد وتملكان توجهات وأولويات تتباين مع أولويات الهيئة العليا للمفاوضات التي يشكل الأئتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة العمود الفقري لها .
وكانت مصادر في الهيئة العليا قالت إن هدف هذه اللقاءات التي ستستمر مساء اليوم هو التحضير لمؤتمر رياض 2، وأن السعودية تحاول لمّ شمل المنصات الثلاث في وفد واحد، يخرج عن المؤتمر المتوقع في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وهنا يبرز السؤال المخجل …
كيف تجاوب أعضاء الأئتلاف السوري المعارض مع الضغوطات الدولية بضرورة مشاركة منصتي القاهرة وموسكو في الأجتماعات التي تتداول مصير الشعب السوري ؟؟
وأعتقد لاداعي للأجابة عن هذا السؤال ؟؟ فمن أرتضى الجلوس مع الجلاد في مؤتمرات الأستانا لن يضيره الجلوس مع وكلائه في الرياض !!
دوليّاً، وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل يومين ، أوضح ستيفان دي ميستورا ، أن تأجيل مفاوضات جنيف جاء بقرار شخصي منه، لافتاً إلى أنه لم يوجه الدعوة إلى النظام السوري «لأن دمشق ترفض الخوض في أي لقاءات فنية خارج المفاوضات الرسمية» !!
وأشار إلى أن مفاوضات «آستانة» حول تثبيت الهدنة في سوريا قد تعقد في أوائل سبتمبر (أيلول) لتستأنف بعدها المفاوضات السياسية في جنيف ، آملاً أن تجري الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف في النصف الأول من سبتمبر، قبل أنطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة .
عزيزي الثائر السوري ، يجب أن يساورك القلق حول جدية بعض أطياف المعارضة من القضية السورية لكي لاتعاود السقوط في مستنقع الموت والفوضى والذي تقاضي ويلاته الأن تحت رعاية الأسد وحلفائه ، حيث أن خطورة موقف بعض أطياف المعارضة تكمن في تعويلهم على الأطراف الداعمة للأسد بشكل أو بأخر !!
فواشنطن وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” التي نشرت مؤخرا مقالاً (حول علاقة ترامب ببوتين) بعنوان: “التعاون مع روسيا أصبح نقطة أساسية في أستراتيجية ترامب ازاء سوريا” .
في حين أن الحليف القديم والعدو الجديد للثورة السورية أنقرة وبعد مهزلة مؤتمر الأستانا والضغوطات الرهيبة التي مورست من قبل أنقرة على المعارضة السورية للمشاركة في ذلك المؤتمر وكما جاء على لسان بعض المعارضين المقيمين في تركيا حيث وصل التهديد إلى الأبعاد والسجن ، يواصل أردوغان الكشف عن قبحه المتستر خلف عباءة الشعوب المسلمة وحقوقهم !! فقد وقع أردوغان اليوم شراكة مع الجانب الإيراني لقاء تلقيه المساعدة بالقضاء على الأكراد ، و أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأثنين أن عملية مشتركة مع إيران ضد #المقاتلين_الأكراد “مطروحة على الدوام” بعد أسبوع على زيارة رئيس الأركان الإيراني #أنقرة لإجراء محادثات نادرة مع الجانب التركي .
ولكن السؤال الملح هنا ، ماهي المغريات التي دفعت إيران لتقديم يد المساعدة لأردوغان ، وهل تلك المغريات على حساب الثورة السورية ؟؟
عزيزي القارىء ، لقد فرض خيانة المجتمع الدولي للثورة السورية حقائق قاسية ومؤلمة على أرض الواقع ، وجعلت الأزمة تزداد تفاقما ، مما يمنح شعوب العالم درسا هاما بأننا نعيش في عصر مضطرب تسيره المصالح فقط , وكما يقال في الأوساط الشعبية هنا في مملكة النرويج بأن السياسة العامة للمملكة ديمقراطية وعادلة على الصعيد الداخلي ونفعية متسلقة على الصعيد الخارجي ، وتلك النرويج التي يعادل وزنها بالميزان السياسي العالمي صفرا فمابالك بالدول الكبرى ؟؟؟ أترك لك حرية التخيل !!
بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
المركز الصحفي السوري