تجمع محادثات فيينا للمرة الأولى جميع القوى الخارجية المعنية بالصراع في سوريا، بما فيها إيران. لكن هناك غياب كامل لكل أطراف الصراع الذين يتقاتلون على الأرض.
وهذا يعني غياب أطراف الصراع الحقيقيين والمتمثلين في حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والمعارضة السياسية السورية، والمعارضة المسلحة عن تلك المحادثات. ولا يحضرها الأكراد السوريون، وبالطبع لن يشارك ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” فيها.
إلا أن الأمل الوحيد في أن تتمكن القوى الخارجية المعنية بالصراع من تضييق نطاق الخلافات بين الأطراف المتحاربة، ما قد يمثل خطوة في اتجاه التأثير على بعضها.
وقد غير الاتفاق النووي بعض ملامح المشهد الحالي في المنطقة، إذ أصبحت إيران شريكا مقبولا من جانب الولايات المتحدة وحلفائها. في المقابل، لدينا روسيا التي تحرص على الدفع في اتجاه تسوية الأزمة للإبقاء على تدخلها العسكري هناك محدودا.
ويتوافر الدافع نحو إنهاء الصراع لدى دول الجوار السوري والدول الأوروبية أيضا، إذ تتفاقم أزمة اللاجئين المستمرين في التدفق إلى تلك الدول ودول أوروبا.
يتزامن ذلك مع استمرار دق ناقوس الخطر الذي ينبه إلى المزيد من التوسع في أراضي المنطقة من قبل مسلحي “تنظيم الدولة الإسلامية” المتشددين.
وتركز المحادثات هذه المرة، كما سبق لها أن ركزت، على كيفية الاتفاق على العملية السياسية التي تستهدف حل الأزمة، بما في ذلك تعديلات الدستور السوري وإجراء الانتخابات، ما يفتح الباب أمام المزيد من الإجراءات الانتقالية الأوسع نطاقا.
المسألة الرئيسية الشائكة هنا هي دور الرئيس الأسد ما إذا كان سيسمح له بالبقاء أو التنازل عن الحكم في مرحلة ما.
إذن، أين تقف أهم الدول المعنية الممثلة في تلك محادثات فيينا من تلك الإجراءات المقترحة؟
لنبدأ بالولايات المتحدة، التي عقدت اجتماعات تمهيديا في باريس مع غيرها من قوى الغرب لتشكيل جبهة موحدة في محادثات فيينا، لنكتشف أن موقفها ومن يوافقها الرأي قد تغير إلى حدٍ ما. فلم تعد الإدارة الأمريكية تردد ما اعتدنا سماعه من أن “الأسد لا بد أن يرحل بأسرع ما يمكن”، لكنها بدأت في إطلاق تصريحات تتضمن ضرورة أن تبدأ فترة انتقالية تضمن رحيله بموجب جدول زمني دقيق.
وربما تتخذ السعودية وتركيا، اللتان تصران على رحيل الأسد، موقفا أكثر تساهلا مع تلك المسألة. فرغم أن وزير الخارجية السعودي أعلن يوم الأربعاء الماضي أنه “لابد من تنحي الأسد”، إلا أنه أردف قائلا “لكن في إطار جدول زمني محدد”.
على الجانب الآخر، ترى روسيا وإيران، وكلاهما تدعمان الأسد عسكريا، أن الرئيس السوري شريك مهم في قتال مسلحي “تنظيم الدولة الإسلامية”. وبقاؤه أو رحيلة ليس من مهمة القوى الخارجية المعنية بالأزمة في سوريا بل عائد لقرار الشعب السوري.
وليس من الواضح إن كان لدى روسيا وإيران استعداد وراء الكواليس المشهد لإبداء المزيد من المرونة بالنسبة لبقاء الأسد أو رحيله.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مرة رفضه “الإطاحة بالرؤساء المنتخبين” تحت الضغوط. كما دعا الأسد إلى زيارة موسكو إظهارا لدعمه له. لكن بعض كبار المسؤولين في روسيا دعموا، بحذر، الحكومة السورية، بدلا من إظهار الدعم للرئيس بشار الأسد. فهل ستؤيد روسيا حلا وسطا للأزمة؟
ومن جهتها، قالت إيران إنه لا داع لرحيل الرئيس الأسد، إذ فاز بالانتخابات الرئاسية الأخيرة منذ عام ولا بد من استمراره حتى نهاية فترته الرئاسية في 2021. فهل ستعتبر إيران مسألة وجود الأسد في السلطة خطا أحمر؟
ولن تكون مفاجأة إذا لم تتوصل القوى الخارجية إلى حل للأزمة السورية في محادثات فيينا، لكن الفشل في ذلك سوف يكون مؤشرا خطيرا على إمكانية اتساع نطاق الصراع.
أما الحكومة السعودية، فتقول إنها حضرت إلى فيينا للوقوف على مدى جدية روسيا وإيران في المضي قدما في عملية السلام، وإذا اكتشفت أن الأمر يخلو من الجدية، فلن تضيع وقتها في تلك المحادثات.
وحذر زعماء المعارضة السورية من أن فشل الجهود الدبلوماسية هذا الأسبوع، سيقود إلى تصاعد حدة القتال على الأرض.
المصدر: BBC