دمشق | لا تختلف الحال داخل المدينة الجامعية في دمشق عن حال العاصمة ككل. سنوات الأزمة تركت بالغ الأثر في أزقتها، ووحداتها السكنية، التي باتت مكتظة بالطلاب القادمين من مختلف المحافظات، خاصة تلك التي تقلّصت فيها رقعة التعليم الجامعي، نتيجة التوترات والأحداث الأمنية، إضافةً إلى ارتفاع إيجارات الشقق، في العاصمة وضواحيها، إلى مستويات تعجز عنها أوضاع الطلبة الاقتصادية.
محمد، القادم من طرطوس لمتابعة تحصيله العلمي في جامعة دمشق، لم يتمكن من الحصول على غرفة في السكن الجامعي المخصّص لكليّته، والواقع بالقرب من كليات الهندسية الميكانيكية والكهربائية في حيّ الصناعة. لكنه، من خلال بعض معارفه، تمكن من الحصول على «إيصال تسجيل» لأحد ساكني المدينة الجامعية في المزة، وبالتالي الانضمام إلى أصدقاء المدرسة، الذين جاؤوا إلى دمشق لإكمال دراستهم. في تقويمه للإقامة في السكن الجامعي، يؤكد أنّ الوضع سيئ جداً: «الخدمات تراجعت كثيراً مقارنة بالسابق، إذ إن الغرف التي كانت تتسع لما بين 4 و6 أشخاص، تستقبل حالياً 8 أشخاص وسطياً، وأحياناً يصل العدد إلى 10، بحجة ازدياد عدد الطلبة الراغبين في السكن، وتدفق بعضهم من المحافظات الأخرى». لكن هذه التفسيرات لم تقنع محمد، خاصة «أن بعض الغرف لا يشغلها سوى أعداد قليلة من الطلاب، وكثيراً ما تخصص بعض الغرف لشخص أو شخصين من أصحاب المعارف ذوي النفوذ».
وبالرغم من الازدحام الحاصل في الغرف، غير أنّ نوعية الخدمات وحجمها لم يتبدلا، ما اضطر الطالبة نسمة مفلح، بعد فرزها للإقامة في غرفة تضم عشرة طالبات، إلى أن تفترش الأرض للنوم. وفي حديثها مع «الأخبار»، تشتكي نسمة من انخفاض مستوى النظافة، فـ«المياه تتسرّب إلى الغرفة من الطابق العلوي». ويمسي الوضع أكثر سوءاً في الحمامات المشتركة، التي لا تصلها المياه الساخنة سوى مرة واحدة أسبوعياً، ليكون استخدام السخانات الكهربائية بغية الاستحمام هو البديل، رغم خطورته وتسبيبه حوادث حريق عدة.
عند التجوال داخل «الوحدات» لن يجد الزائر ما يريح النفس. غالبية الوحدات السكنية أوضاعها مترديّة وتحتاج للصيانة والترميم. المصاعد شبه معطلة، وحتى الغرف، من الداخل، وضعها ليس بالأفضل، خاصة مع زيادة «كثافتها السكانية» التي سببت صعوبة الدراسة داخلها، ليتفاقم الأمر بالنسبة إلى الطلبة في ضوء الاكتظاظ الذي تشهده المكتبات أيضاً. واللافت كذلك، أنّ أقبية الوحدات السكنية التي كانت، سابقاً، تستخدم كمستودعات ومخازن، فتحت اليوم للاستفادة منها في إيواء بعض الطلبة والموظفين، رغم ظروفها السيئة لجهة النظافة، أو توفر الخدمات.
لم تشفع طبيعة الوظيفة التعليمية، للمدينة الجامعية، لتكون بعيدة عن تقنين الطاقة الكهربائية، التي تغيب نحو ست ساعات يومياً. وتشرح نسمة أنه «لا يجري تشغيل مولدات الكهرباء نهاراً. لكن عند المساء تشغّل لمدة ساعة واحدة، من أصل ثلاث ساعات مقررة». وهي خدمة تغذي المصابيح في الممرات والغرف، من دون مآخذ الكهرباء، مشيرةً إلى أن «وضع المياه ليس أفضل، فهي ذات لون مختلف، وظهرت فيها ديدان في إحدى المرات».
العلاقات الاجتماعية داخل المدينة الجامعية لا تختلف كثيراً عن خارجها. فبعد أربع سنوات من الأزمة، سادت حالة الهدوء الحذر المعرّض للخرق في أي لحظة، نتيجة للتوتر المكبوت في نفوس الغالبية، خاصّة ممّن فقد عزيزاً في هذه الحرب. غير أنّ الصمت والابتعاد عن الصدامات يبدوان الأكثر شيوعاً اليوم. وبحسب أحد المقيمين السابقين في المدينة، سليم إبراهيم، فإن «المدينة كانت تشكّل البيئة المناسبة للتواصل الاجتماعي، والتعرف إلى ثقافة المناطق المختلفة، ما عدا بعض المشاحنات التي تجري بين الحين والآخر»، وهي حالة طبيعة نتيجة عدم تكيّف بعض الأفراد مع الجو المحيط. «لكن بعد الأزمة ظهرت بعض العصبيات المناطقية، وفُضِّل طلاب على آخرين، وفقاً لمعارفهم وعلاقاتهم. إلا أن المدينة بقيت محافظة على التنوع الاجتماعي، واحترام الاختلاف، رغم هول الأزمة ومحاولة كسر هذه الروح».
ويشرح سليم أن الوضع في المدينة «يحتاج للمعارف، حتى يتمكن الطالب من تدبير أموره، والسكن مع طلاب يتشابه معهم بالاهتمامات والتوجهات، للابتعاد عن الصراعات. ويصبح الوضع أكثر صعوبة بالنسبة إلى الطالب الغريب، الذي لا يملك معارف. فهو غالباً ما يوضع في غرف مزدحمة، ومع طلاب مختلفين عنه، لا يعرفهم أبداً، بكل ما قد يحمل هذا الاختلاف من مشاكل في الوقت الحالي، ولا سيما أن المشاكل البسيطة قد تتحول إلى كبيرة ذات أبعاد سياسية».
في مكتب مدير المدينة الجامعية، الدكتور إبراهيم جمعة، ثمة مبررات لكل ما طرحه الطلبة. مبررات قد تكون منطقية، أو لا تكون، إلا أنها تمثل في النهاية وجهة نظر الإدارة. فالمدينة الجامعية، بحسب إبراهيم، كانت «مخصصة لتستوعب 12 ألف طالب، فيما هي اليوم تضم 28 ألف طالب، ودون أي تغيير في ميزانيتها السنوية، الأمر الذي انعكس على نوعية الخدمات، وعلى أعداد الطلبة داخل الغرف». وأمام هذه الزيادة الهائلة «اضطرت الإدارة إلى استخدام المستودعات والأقبية، لكنها لم تلزم أحداً بالسكن فيها، ومن يمكنه الحصول على استضافة، في غرفة أخرى، فبإمكانه الانتقال فوراً».
في جانب الخدمات، يتحدث إبراهيم لـ«الأخبار» عن قضية المياه أولاً، فيؤكد أنه بُدئ أخيراً باستثمار الآبار الموجودة في المدينة للتخلص من مشكلة قطع المياه، وأنّ المياه «العكرة»، التي يتحدث عنها الطلبة، هي «أمر طبيعي، ومنتشر في جميع أنحاء دمشق». أما الديدان التي ظهرت في المياه، فردّها إبراهيم إلى «وجود تلوّث في خزان إحدى الوحدات. وعمدت إدارة المدينة إلى تنظيفه فوراً، وتنظيف جميع الخزانات». وبالنسبة إلى أزمة الشتاء، يشير إلى أن المدينة «لم تحصل هذا العام على مخصصاتها من مادة المازوت، لهذا اضطرت الإدارة إلى استخدام الاحتياطي الباقي من العام الماضي، بحيث خصّص جزء منه للتدفئة خلال أيام الثلج، والباقي للمولدات». وأضاف أن «المدينة تحتاج لـ 2.300 مليون ليتر سنوياً، لكنها لم تحصل، هذا العام، إلا على 1.300 مليون ليتر، وجاءت في الوقت غير المناسب، ولهذا قررت إدارة المدينة غضّ النظر عن استخدام الطلاب للسخانات، باعتبارها باتت وسيلة التدفئة الوحيدة».