نعيش حياتنا في إيقاعٍ متسارع، جريٌ مستمرٌّ بلا توقّف، من العمل للمنزل، في العمل، وفي المنزل، لا نفكر إلا في روتين حياتنا نفسه واحتياجاتنا ومعاناتنا.
لم نقف مرةً ونفكر، هل هناك واجبات غفلنا عن تأديتها، وقد لا يكون هناك غيرنا من يستطيع القيام بها.
قد يتعلق الأمر بعائلتنا الصغرى، الزوجة أو الزوج، الولد أو البنت، الأب أو الأم، الأخ أو الأخت، فقد يكون هناك واجب علينا أن نؤدّيه تجاه أحدهم.
ولا يشترط أن يكون هذا الواجب تقديم المال، قد يكون مجرد اهتمامٍ بأحدهم، أو السماع لهموم أحدٍ لا يجد من يبوح له، وقد يكون المطلوب نصيحة مقتضبة من خبرة الحياة، هذه الواجبات قد يكون لها أكبر الأثر على أهلنا وأحبائنا.
قد يتعلق الأمر بجارٍ أو صديقٍ أو زميلٍ أو …
عندما لا نفكر إلا في حقوقنا ومن سلبها، فإننا نتحول تدريجياً إلى مجتمعٍ متهالكٍ غارقٍ بالهموم والآلام، ونضيع في عالم الأوهام والأحلام غير الواقعية.
وتأتي المصائب والفواجع والأمراض وفقد الأحبة بالموت، لتستوقفنا وتعطينا استراحةً قصيرةً من الجري اللانهائي، لعلنا نعود إلى رشدنا ونفكر في النعم التي نحن فيها من صحةٍ وعافية، ونعمة وجود أحبتنا وأهلنا بجوارنا قبل أن نفقدهم.
لو غيّرنا الزاوية التي ننظر بها إلى الحياة، فبدل أن نفكر في حقوقنا المسلوبة، نبحث عن واجباتنا التي أهملناها.
البداية الصحيحة لحل هذه المسألة هي “إعطاء كل ذي حق حقه” وهذا يتطلب منا أولاً التوازن في حياتنا، ويتطلب منا ثانياً تخصيص وقتٍ “بشكل دوري” للأهل والأحباب، ومن ثم الأصدقاء، فنتفقدهم ليس لأداء الواجب فحسب، بل لنمنح أنفسنا، وإياهم فرصة معرفة الواجبات التي ينبغي أن نؤديها تجاههم.
هناك أغنية قديمة باللغة الإنكليزية عنوانها “فكر مرتين، لأنني أنا وأنت في الجنة”، كلماتها تتكلم عن حال المشردين بلا مأوى، وتصف مشرداً يتبع المارة في الشارع ليسألهم إذا كانوا يعرفون مكاناً يستطيع النوم فيه، فالجو باردٌ، وكاتب كلمات الأغنية الذي يصف حال هذا المتشرد يقول إنه نظر باشمئزازٍ إلى ذلك المشرد، وأعرض عنه وانصرف.
الأغنية تداولها الملايين من الناس على اليوتيوب، وتلقّت الآلاف من التعليقات عبر سنين طويلة، لكن أحد المعلقين ذكر أنه مرّ بموقفٍ مشابهٍ في حياته سابقاً، وفعل كما فعل المغني، فأعرض عن المشرد وتضايق منه لأنه يلوث جمال مدينته، لكنه بعد سماعه الأغنية، دفعه ذلك إلى الاعتراف بأنه كان مخطئاً، فقد يكون السائل في الشارع لصاً أو كاذباً، وقد يكون صادقاً، ولذلك تغيرت الزاوية التي ينظر منها، وغيّر طريقة تعاطيه لمثل تلك المواقف.
يا ترى كم مررنا ونحن نلهث جرياً في هذه الحياة على حالات من الناس الذين هم بحاجة فعلا إلينا، لنساعدهم بأبسط طريقةٍ ممكنة، ولكننا لم نرهم مطلقاً، أو رأيناهم ولكننا أسأنا فهمهم، أو رأيناهم ولم نفكر أن نحاول مساعدتهم بطريقة ما.
إننا بحاجة الى أن نفتح أعيننا وقلوبنا معاً.
كتبه: خليل آغا