يمكن التمييز بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية من خلال الضحايا:
-الضحايا في حالة الجريمة الإرهابية غير محددين بذواتهم في أحيان كثيرة مما يساهم في خلق شعور عام بالخطر يؤدي إلى إثارة حالة من الرعب في المجتمع.
-أما في الجريمة السياسية لا يقع ضرر مادي على ناس من المجتمع، كما ينعدم فيها الإحساس بالخطر العام، وليس لها ضحايا لأنها تتعلق غالبا بإبداء رأي مخالف لما هو منصوص عليه في القوانين الداخلية للدول.
وعلى هذا الأساس منح القانون الدولي من يرتكب ” الجريمة السياسية ” ويكون مطاردا من السلطات المحلية حق اللجوء السياسي، بينما حرم هذا الحق على المجرم الإرهابي.
-بالإضافة الى ذلك بأن القانون الدولي لا يعتبر الجريمة الإرهابية، جريمة سياسية بأي حال من الأحوال.
-مفهوم الجريمة السياسية ينطبق فقط على الآراء والأفكار والمعتقدات التي تشكل منهجا فكريا معينا يتفق أو يتعارض مع فكر مجموعة سياسية تتواجد في السلطة، وينطبق أيضا على الأنشطة المحظورة أو الترويج لفكر سياسي محظور، عن طريق الخطابة أو المنشورات أو الملصقات أو أي وسيلة أخرى لا يستخدم فيها العنف أو التحريض عليه, وهذه هي فقط التي ينطبق عليها لفظ جرائم سياسية.
وعليه:
-طالما ذهبت المحكمة الى أن الدافع وراء الجريمة هو دافع سياسي, و حزب الله والنظام السوري هما الوحيدين الذين لهما هذا الدافع للتخلص من الرئيس الحريري, وحيث أن التفجير يعتبر جريمة إرهابية لأنه تجاوز مفهوم ” الجريمة السياسية ” المذكور أعلاه فإن جريمة اغتيال الرئيس الحريري جريمة إرهابية دولية وخطورتها تكمن في تهديد السلم والأمن الدوليين, كونها تجاوزت حالة الرعب والهلع في المجتمع اللبناني إلى وقوع ضحايا وتدمير منشآت والتسبب بالخراب بواسطة ” المواد المتفجرة ” التي تعتبر من وسائل تهديد السلم والأمن الدوليين .
-وبما أن الجرائم الإرهابية غالبا ما يتوفر فيها تعدد الفاعلين فقد يحصل أن يرتكب الجريمة شخص واحد, ولكن بجانبه أشخاص آخرون يُسألون جنائياً عن نفس الجريمة التي لم يشتركوا فيها بالفعل، بل قد تكون وقعت بناءً على إغرائهم وتسهيلهم لارتكابها ويوصف هؤلاء بالشركاء في الجريمة.
فالشخص الداخل في مجموعة هو الذي تصدر عنه أفعاله وهو في مجموعة منظمة تنظيماً جنائياً بطريقة أو بأخرى فقد يكون الإجرام تلقائياً، أو عن طريق اتفاق مسبق وهو ما يسمى بإجرام العصابات الإجرامية التي يجري العمل فيها على شكل الفريق المتعاون ” منظمات الجريمة المنظّمة ” .
-وبما أن الاغتيال جريمة يقع فيها الاعتداء بالتخطيط سراً، أو على حين غرة، بحق فرد أو جماعة، لتحقيق أهداف سياسية, فعملية الاغتيال تصدر عن تصميم مسبق، بهدف التخلص من الطرف الآخر، ينفذه نظام مستبد أو مافيات أو رجال عصابات، متجاهلين أن حكم القانون فوق الجميع.
-وحيث أن جرائم الاغتيال السياسي تعتبر مخالفة واضحة وفاضحة وانتهاك صريح لكافة قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني العرفي والتعاقدية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان بكافة مبادئه.
-لذلك كله فإن عملية اغتيال الرئيس الحريري هي جريمة مركبة ” إرهابية سياسية ” أو سياسية إرهابية ” بالتالي لا يمكن للمحكمة إغفال دور الدافع السياسي من وراء هذا العمل الإرهابي, بل يجب عليها التوسع في البحث فيه والوصول إلى الفاعلين والشركاء والمتدخلين في هذه الجريمة انطلاقاً من القرائن القضائية المتوفرة في ملف الدعوى, وهي:
1-قرينة ارتباط المحكوم عليه “سليم عياش” بحزب الله ارتباطاً تنظيميا وعسكرياً.
2-قرينة ثبوت الدافع السياسي للتخلص من الرئيس رفيق الحريري لدى كل من حزب الله والنظام السوري على أعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية.
3-قرينة كمية المتفجرات الكبيرة ونوعها المستخدمة في عملية الاغتيال التي لا يمكن لشخص واحد تأمينها.
4-قرينة استحالة تنفيذ عملية الاغتيال دون وجود نظام مراقبة لتحركات موكب الرئيس الحريري الذي يتطلب وجود أكثر من شخص وإمكانيات لوجستية تفوق قدرة الشخص العادي, وخصوصاً مراقبة منظومة الاتصالات وحركة المرور.
5-قرينة التهديدات السابقة لعملية الاغتيال الثابتة والصادرة عن النظام السوري وحزب الله للرئيس رفيق الحريري.
6-قرينة عمليات التحريض السياسي والإعلامي ضد الرئيس الحريري من قبل حزب الله وحلفائه والنظام السوري التي سبق عملية الاغتيال.
7-قرينة إخفاء وعدم تسليم المتهمين للمحكمة من قبل حزب الله والنظام السوري.
-وحيث أن القرائن لا يمكن أن تكذب مثلما يكذب الشهود, إذ أن كثيراً ما تكون القرائن في الواقع أصدق دليل من الشهود, باعتبارها وقائع صامتة لا تعرف الكذب, لذا فإن إغفال المحكمة البحث في الدوافع السياسية لحزب الله والنظام السوري ومدى علاقتها في عملية الاغتيال ومدى مشاركتهما في تنفيذها يعتبر خطأ مهني جسيم منافي لروح القانون ومقتضيات العدالة, لاسيما أنها أكدت وجود هذه الدوافع لديهما, الأمر الذي يوجب عليها إعمال القرائن المذكورة في إدانتهما, لاسيما أنها تستند الى أصل ثابت في الدعوى وهو العلاقة التنظيمية والعسكرية للمحكوم عليه “سليم عياش” والتهديدات المسبقة ضد الرئيس الحريري من قبل بشار الأسد وقيادات حزب الله.
المحامي عبد الناصر حوشان