لم يُفاجئ قرار الاستقالة الذي اتخذه محمد علوش كبير مفاوضي الهيئة العليا المعارضة المنبثقة عن مؤتمر الرياض أعضاء هذه الهيئة كما الائتلاف المعارض ولا حتى المراقبين الذين كانوا يتوقعون خطوة مماثلة منه بعد سلسلة مواقف أطلقها تمهيدا لتسليم مهامه، حتى أن هؤلاء ينتظرون قريبا استقالة مماثلة يتقدم بها رئيس وفد الهيئة أسعد الزعبي الذي لوّح قبل ساعات بالانسحاب أيضا من رئاسة الوفد.
وتوحي الخطوات المتسارعة في هذا الإطار برغبة من قوى المعارضة بتنسيق مع الدول الإقليمية الصديقة، أولا بممارسة ضغوط على النظام السوري والدول التي تدعمه من خلال التلويح بإمكانية انهيار العملية السياسية تماما، وثانيا، بإعداد تشكيلة جديدة تتسلم دفة التفاوض تواكب متطلبات المرحلة الحالية خاصة في ظل المتغيرات الكبيرة التي يشهدها الميدان السوري. وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن توجه الهيئة العليا إلى تسليم المناصب الرئيسية في الوفد التفاوضي لـ«دبلوماسيين منشقين سابقين لديهم الخبرات اللازمة للسير بعملية التفاوض قدما».
ولاقت موسكو بارتياح استقالة علوش، فاعتبر ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أن استقالته من منصب كبير مفاوضي الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض، سيؤثر إيجابيا على مفاوضات جنيف. وقال بوغدانوف للصحافيين: «نعتقد أن ذلك سيأتي بنتائج إيجابية فقط، لأن هؤلاء الأشخاص كانوا يتخذون موقفا غير بناء على الإطلاق ولم ينووا للاتفاق على شيء بناء». وتتجه الهيئة العليا للتفاوض التي تجتمع في الرياض خلال 10 أيام، بحسب ما أفاد المتحدث باسمها سالم المسلط، للبت في تشكيلة الوفد المفاوض في جنيف وعمله، لافتا إلى أن تغييرات ستطاله.
وإذ أكّد الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض هادي البحرة، أن علوش الذي ينتمي إلى «جيش الإسلام» الفصيل النافذ في الغوطة الشرقية لدمشق، استقال من منصبه كـ«كبير المفاوضين» إنما لا يزال عضوا في الهيئة العليا، أوضح أن «المرحلة ككل تقتضي مراجعة ووضع فريق مناسب لخوض العملية التفاوضية المقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم يفرض أحد على علوش أن يستقيل والخيار الذي اتخذه خيار شخصي، كذلك نؤكد أنه لا يوجد توجه إداري لفرض أي شيء على أعضاء الوفد ومن بينهم الرئيس الزعبي». واستغرب البحرة الحديث عن أن استقالة علوش تمهد لانهيار العملية السياسية، مشددا على أن «هذه العملية لا يمكن أن تنهار بشكل كامل، فهي قد تتعطل أو تتأخر، ولكنّها تبقى قائمة رغم تعنّت النظام والإيرانيين».
وتضم الهيئة العليا للمفاوضات أطيافا واسعة من المعارضة السورية السياسية والمسلحة، وقد علقت مشاركتها في آخر جولة مفاوضات في أبريل (نيسان) الماضي احتجاجا على تدهور الوضع الإنساني وانتهاكات تتهم بها قوات النظام لاتفاق وقف الأعمال القتالية. ولم تحقق جولات المفاوضات الثلاث والتي بدأت في نهاية يناير (كانون الثاني) أي تقدم ملحوظ، وهي تصطدم دائما بتمسك طرفي النزاع بمواقفهما حيال مستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد. وتطالب المعارضة بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات مشترطة رحيل الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية، فيما يصر الوفد النظامي على أن مستقبل الأسد ليس موضع نقاش في جنيف مقترحا تشكيل حكومة وحدة موسعة تضم ممثلين عن المعارضة «الوطنية» وعن السلطة الحالية.
وبحسب مدير مركز «جسور» السوري المتخصص محمد سرميني فإن استقالة علوش «جزء من عملية اعتراض الهيئة على عجز المجتمع الدولي بتحقيق أي تقدم بما يتعلق بالمسارين السياسي والإنساني»، لافتا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد مساعي من قبل الهيئة لحشد مزيد من الخبرات والكفاءات. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأسماء المطروحة كبديل عن علوش وسواه من المتخصصين، ذات كفاءة عالية في مجال التفاوض».
من جهته، يربط رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة هشام جابر بين إطلاق عجلة العملية السياسية مجددا والتغييرات المرتقبة في الميدان السوري، لافتا إلى أن «ما يحصل في الرقة خلط الأوراق ولعله سيدفع أكثر فأكثر باتجاه تسليم الأكراد مقعدا أساسيا على طاولة التفاوض، وهو ما يسعى إليه الأميركيون بعد تحرير الرقة». وقال جابر لـ«الشرق الأوسط»: «استقالة علوش لا تعني أن جيش الإسلام قد ترك المفاوضات، إلا أنه يضغط من خلالها لتنفيذ مطالب أساسية بتنسيق وتعاون مع دول إقليمية صديقة».
وتعليقا على استقالة علوش، اعتبرت جوزيفين غيريرو المتحدثة باسم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أنها «مسألة داخلية في الهيئة العليا للمفاوضات». وأضافت: «نتطلع لمواصلة العمل مع كافة الأطراف لضمان تقدم العملية» السياسية.
أما الخبير في الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط للدراسات شارلز ليستر، فاعتبر أن استقالة علوش قد تكون بمثابة إنذار لنهاية المفاوضات. وبحسب ليستر فإن هذه الاستقالة قد تؤدي إلى انسحابات أخرى من بينها رئيس وفد الهيئة أسعد الزعبي. وأضاف: «قد تكون هذه طريقة جيش الإسلام للقول: إن مفاوضات السلام باتت على شفير الانهيار». وأشار ليستر إلى أن «الفصائل المسلحة تهدد منذ مدة بالانسحاب من المفاوضات»، مضيفا: «في حال لم يتمكن المجتمع الدولي من إيجاد حلول لتحسين الأوضاع ميدانيا، فإن انسحاب فصائل معارضة أخرى سيصبح أمرا محتوما».
وكانت فصائل مقاتلة عدة بينها «جيش الإسلام» أعلنت الشهر الحالي أنها تفكر بالانسحاب من العملية السياسية التي وصفتها بأنها «عقيمة»، وهددت باعتبار اتفاق وقف الأعمال القتالية «بحكم المنهار تماما» إذا لم تتوقف هجمات قوات النظام.
وتعرض اتفاق الهدنة الذي يسري في مناطق عدة في سوريا منذ نهاية 27 فبراير (شباط) للخرق والانهيار مرات عدة في حلب جراء القصف المتبادل بين قوات النظام والفصائل المقاتلة.
الشرق الأوسط – بولا أسطيح