خصصت مجلة “إيكونومست” نعيا للممثل السوري الطفل قصي عبطيني، الذي أدى دور “أبو عبدو” في المسلسل الكوميدي الساخر، الذي جسد شخصية “أم عبدو” الحلبية.
ويشير التقرير إلى أن عبطيني جسد دور الأب التقليدي لعائلة سورية تكافح لتأمين قوتها اليومي، حيث كان يعود إلى البيت مجهدا، ويكون الأفرهول الأزرق الذي كان يلبسه في ورشته ملوثا بالزيوت، ويرمي لزوجته أم عبدو كيس مشتريات، ويأمرها بأن تعد له العشاء، وتتبع ذلك مشاهد مريحة له وهو يتمدد على الأريكة بالدشداشة والطاقية البيضاء، ينقب أسنانه، ويربت على كرشه، في الوقت الذي تعد له زوجته فنجان القهوة.
وتلفت المجلة إلى أن أم عبدو، التي أدت دورها زميلة قصي في المدرسة رشا، لا تتوقف عن الحديث، فهي جميلة وعنيدة، ولديها الكثير من الأفكار شبه الجنونية، وفي أثناء هذا يحتفظ أبو عبدو بصمت الأب المسيطر، ويقوم في بعض الأحيان بالتلاعب بلحية وهمية، وبعد هذا الحديث يمشي مترنحا.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، بأن كل شيء كان مدروسا، ولم يكن يعرف المشاهد أن الممثل هو طفل إلا من ابتسامته التي تظهر أسنانه الناتئة، أو نظرته العفوية الطفولية للكاميرا، مشيرا إلى أن قصي كان واحدا من 100 ألف طفل، أي ثلثي السكان في الجزء الشرقي من حلب، التي يقاتل نظام الأسد المعارضة فيها لاستعادتها منذ شهور وسنين، وقتل في أثناء ذلك الآلاف، ومن ثم جاء الروس لدعم النظام، وأصبح القتال كثيفا من اجل فك سيطرة المعارضة على الجزء الشرفي من المدينة.
وتذكر المجلة أن قصي كان واحدا من الذين أصبحت الدراسة بالنسبة لهم متقطعة، ولعب كرة القدم في الشوارع خطيرا، ولهذا قضى معظم وقته في مشاهدة التلفاز عندما يتوفر التيار الكهربائي، أو القراءة على ضوء الشموع عندما لا تتوفر الكهرباء، وكان يقضي وقتا طويلا في طوابير الخبز، ويخشى في الوقت ذاته من البراميل المتفجرة التي ترميها السماء الزرقاء، ففي حزيران/ يونيو أصابت قذيفة بيته، وأدت إلى جرح والده.
وتعلق “إيكونوميست” قائلة إن محور الحرب كان الأرضية التي ظهرت منها كوميديا صنعها نشطاء من المعارضة، وبثت على قناة المعارضة “حلب اليوم”، واستعان معدو المسلسل بقصي وزملائه في مدرسة عبد الرحمن الغافقي، حيث بدأ بالتمثيل فيه وهو في الصف السابع، وتم تصوير المشاهد كلها في حلب القديمة، بين الأقواس القديمة والأزقة الضيقة، التي تظهر منها الأسلاك الحديدية والأعمدة، وكان على الأطفال المرور على أنقاض البيوت والسيارات المحترقة، وكانوا ينتهون من التصوير قرب بناية تعرضت للقصف، وعلى شفير السقوط في أي لحظة.
ويصف التقرير بيت “أبو عبدو” بأنه بدا دافئا بشكل كاف، وأرضيته مفروشة بالسجاد الشرقي، الذي يكسو الأريكة، لافتا إلى أنه في إحدى الحلقات كان هناك تفاح طازج وجزر لتناوله، إلا أن النظرة القريبة تكشف عن أسلاك تتدلى وطلاء الجدران الذي يتقشر، ويغطي القوارير التي زرعت فيها النباتات الغبار، وآثار الرصاص باد على الجدران، وفي بعض الأحيان يهدر صوت القصف المدفعي خلف الحوار الكوميدي.
وتبين المجلة أن مهمة قصي ورشا كانت الترفيه عن سكان حلب، رغم كل ما يحيط بهم، فأم عبدو تشكو دائما من انقطاع التيار الكهربائي، وقلة المياه، “وهذا يعني غسل الأواني والصحون باليد في وعاء بلاستيكي”، وعدم توفر التغطية لهاتفها النقال، والحالة التي تعيشها المدينة، ومن نظام الأسد، والطريقة التي لا يتم فيها تصوير إراقة الدماء بطريقة صحيحة، وتعلق أم عبدو بالقول إن “الدول الأخرى لا ترى ما يجري لنا”، مشيرة إلى أنه في المقابل كان أبو عبدو كسولا واجتماعيا أكثر، ففي الوقت الذي حاولت فيه أم عبدو تشكيل فصيل عسكري من النساء، فإن “أبو عبدو” كان يقوم بردعها من خلال التظاهر برؤية فأر تحت الأريكة، ويقول لها “إنتو الحريم” تسهل إخافتكن، وعندما ينضم أبو عبدو للمقاتلين، ويتعرض لكمين نصبته قوات الأسد، وينقل معصوب الرأس للبيت، يكتشف أن وراء الكمين كلام زوجته مع الجيران.
وينوه التقرير إلى أن قصي خطا نصف خطوة في هذا العالم، فقد انضم أولا للتظاهرات عندما كان عمره ثمانية أعوام، حيث كان يصرخ ويردد الهتافات وهو محمول على كتفي شقيقه الأكبر أسعد، وتقدم في التظاهرات اللاحقة دون خوف، وأصبح الوجه الجديد والجريء لمدينة حلب المتحدية، لافتا إلى أنه عندما انضم أسعد إلى الجيش السوري الحر، سجل قصي نفسه في دورة للإسعافات الأولية في مستشفى القدس.
وتورد المجلة أن أشرطة الفيديو التي مثل بها قصي تضم جولات تصور وتندب الدمار، الذي تعرضت له مدينة حلب، مشيرة إلى أنه شارك في تمثيليات مدرسية، أدى فيها دور المقاتل في زيه العسكري الكامل، حيث نال إعجاب الآباء الذين صفقوا لخطاباته، وفي إحدى التمثيليات يقتل برصاص القناصة خارج مقهى، وتغمره “أمه” وهو مكسو بالعلم السوري، في وداع مناسب لشهيد.
ويفيد التقرير بأن قصي في بداية هذا العام كبر سنه، ولم يعد الطفل الذي يمثل دور الرجل، وفي الجزء الثاني من المسلسل، مثل دور “أبو عبدو” طفل آخر اسمه صبحي، وأصبح قصي طويلا، ولاحظ أساتذته أن طموحاته تكبر معه ليتحول إلى ممثل جاد ونجم حقيقي، لافتا إلى أنه بعيدا عن موقع التصوير، كان قصي يتجول بالزي العسكري، ويغطي رأسه بقلنسوة أخفت عمره الصغير، وعندما كان ينظر للمرآة، ويمشط شعره الكثيف، ويتبسم ابتسامة كاذبة، فقد كان يشاهد كيف أصبح مقاتلا معروفا.
وتكشف المجلة عن أن قرار والده الخروج معه من حلب لم يكن بسبب تدهور الوضع، والحصار المفروض على حلب، لكن لأن بديله صبحي هرب مع عائلته إلى تركيا، مشيرة إلى أنه بحلول تموز/ يوليو لم يبق سوى ممر إنساني واحد مفتوح يؤدي إلى المدينة، وقرروا السير فيه، وضربت السيارة التي كانا فيها قذيفة أو صاروخ، وجرح والده، أما هو فلم ينج من الحادث.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالإشارة إلى أن قصي تم الاحتفاء به بصفته “بطلا صغيرا” وضع الابتسامة على وجه حلب، “كانت آماله أكبر عندما كان سيصبح رجلا حقيقيا”.
عربي 21 – بلال ياسين