بيروت – عكس ظهور علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، في أول خطبة جمعة يلقيها منذ 2012، حالة من القلق داخل السلطات بعد الفشل في تقديم ردّ مناسب على مقتل القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني منذ أسبوع بما يتماشى مع الشعارات التي ترفعها طهران ومع الصورة التي تقدمها لنفسها بشأن الوقوف بوجه النفوذ الأميركي في المنطقة.
وقالت أوساط إيرانية إن لجوء خامنئي إلى صلاة الجمعة، لطمأنة الإيرانيين وأتباعهم في المنطقة بتوظيف البعد الديني، يؤكد أن المرشد الأعلى والمحيطين به يشعرون أن الشارع الإيراني لم يعد يثق في خطاباتهم بشأن العداء للولايات المتحدة، وهو العنوان الذي ظلت السلطات توظفه لإسكات الخصوم عبر تهم التخوين والعمالة والتآمر على الثورة.
ودفع الارتباك الداخلي، الذي بات يسيطر على المؤسسات داخل إيران ويغذي الصراعات داخلها، بالمرشد الأعلى إلى التلويح بنقل المعركة مع الأميركيين إلى الخارج.
وأعلن خامنئي، الجمعة، أن “الحرس الثوري يمكن أن ينقل معركته خارج حدود إيران”، متعهدا باستمرار “المقاومة حتى تتحرر المنطقة تماما من طغيان العدوّ”، مكررا مطالبته القوات الأميركية بالانسحاب من العراق والشرق الأوسط.
واعتبرت مصادر دبلوماسية عربية أن المرشد الأعلى في إيران اختار الهروب إلى الأمام من خلال التأكيد على أن الحرس الثوري، الذي وصف أعضاءه بأنهم “مقاتلون بلا حدود”، سينقل المواجهة إلى خارج إيران، وهو أمر قائم منذ سنوات، حيث ظل سليماني يدير العمليات المختلفة من دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن عن طريق وكلاء طائفيين.
لكن المصادر نفسها استبعدت أن يبادر الحرس الثوري إلى تنفيذ عمليات ضد الوجود الأميركي في دول أخرى لمعرفة القادة الإيرانيين أن الولايات المتحدة متحفزة للرد القوي في حال تم استهداف قوات أو أهداف أميركية في المنطقة، فضلا عن مسعاها الجاد لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة عبر محاصرة الوكلاء والتضييق عليهم عبر إجراءات متعددة.
وخرج خامنئي عن هدوئه المعتاد في الخطابات السابقة، واعتمد على كلمات تتضمن شتما وسبّا مثل وصفه مسؤولين أوروبيين بأنهم “أذيال للولايات المتحدة”، و”خدم لها”. وندد خامنئي بالحكومات البريطانية والفرنسية والألمانية.
وقال إنّها “في خدمة مصالح الولايات المتحدة ولا يمكن الوثوق بها”، لافتا إلى أنه حذر “في وقت سابق من هذه الدول الأوروبية الثلاث في موضوع الاتفاق النووي باعتبارها أذيالا لأميركا”.
كما وصف التظاهرات المناهضة للنظام التي اندلعت عقب إسقاط الطائرة الأوكرانية بأنها “لا تمثّل مجمل الشعب الإيراني”، في محاولة لإخفاء الأزمة الداخلية التي تتوسع يوما بعد آخر مع كل مناسبة.
وتراهن إيران على الدفع بوكلائها في المنطقة إلى تنفيذ هجمات محدودة على مصالح أميركية أو مصالح حلفائها في المنطقة، أو استهداف الملاحة البحرية لإظهار قدرتها على تنفيذ الوعود، وهي خطوة قد يبادر إليها حزب الله اللبناني الذي يسعى أمينه العام حسن نصرالله للعب دور رأس الحربة الإيرانية في الشرق الأوسط.
وقالت مصادر لبنانية مطلعة على شؤون حزب الله إن نصرالله بدأ منذ مقتل سليماني بتوسيع مهامه لتشمل ميادين النفوذ التي تمتلكها إيران في المنطقة، وأن عمليات تنسيق يقودها شخصيا لإعادة ترتيب “البيت الإيراني” في العراق وسوريا واليمن بعد الضربة التي تلقاها “محور المقاومة” جرّاء الإطاحة بسليماني الذي كان يشرف على كل ميليشيات طهران في تلك البلدان.
ورفضت المصادر تأكيد ما إذا كان نصر الله سيكلّف بمهام سليماني وفق ما ذكرت بعض المصادر القريبة من طهران، إلا أنها قالت إن حزب الله بات متخوفاً من أن يؤدي غياب سليماني إلى تصدّع البيئة الإيرانية الحاضنة في المنطقة على نحو قد يهدد قوة حزب الله نفسه في لبنان.
وكانت “العرب” قد كشفت في عددها الصادر في الثالث عشر من يناير الحالي أن حسن نصرالله أدار اجتماعا في بيروت حضره زعماء أهم الميليشيات العراقية المدعومة من إيران لتلقي توجيهات صريحة من طهران بشأن خطط التحرك بعد مقتل سليماني.
ويروي شهود عيان في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، لاسيما في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي منطقة البقاع، أن أجواء الحزب تبدو مشحونة متوترة، وأن كثيرا من تحركات ميليشياته غير عادية، وخصوصا في حركة الانتقال الحدودية بين سوريا ولبنان.
وتضيف الروايات أن التحرك العسكري للحزب يشوبه حذر وسرية شديدان دون أن يعني ذلك أن الحزب يعدّ لعمليات عسكرية فورية.
ويقول خبراء في الشؤون الإيرانية إن خامنئي يعتبر أن حزب الله يمكن أن يكون مرجعية ذات مصداقية لكافة الجماعات المسلحة الموالية للولي الفقيه في طهران، وأن نصرالله هو الشخصية الوحيدة التي يمكن الركون إليها كعامل موحد لتلك الجماعات.
ويوحي الرد الصاروخي الذي استهدف القوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد وأربيل بأن إيران ستعود لاستخدام نهجها السابق الذي اعتمد في ثمانينات القرن الماضي في تنفيذ هجمات لا تحمل بصماتها المباشرة وقد تجري في مناطق بعيدة عن الشرق الأوسط، إضافة إلى ضربات تنفذها ميليشياتها في المنطقة.
ويرجّح مراقبون أن قرار إيران الحتمي بالذهاب إلى طاولة المفاوضات في توقيت ما قد يحتاج إلى تذكير الولايات المتحدة بقدراتها في استهداف مصالح واشنطن في العالم.
وكانت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية قد أشارت قبل أيام إلى أنه من المحتمل أن تتجنب إيران اتخاذ إجراءات صارمة يمكن أن تؤدي إلى الحرب. وسوف تستمر بدلاً من ذلك في المسار نفسه الذي أشعله سليماني، أي معادلة لا مواجهة مباشرة مع خصومها الرئيسيين، بل محاولة جادة لتأمين النفوذ المؤسسي لها في المنطقة. وهذا من المرجح أن يفعله حزب الله، أحد شركاء إيران الإقليميين الرئيسيين، والذي وعد في الأيام الأخيرة بحملة لإطلاق النار والغضب.
ويرى خبراء غربيون أن محاولة إيران إعادة الإطباق الكامل على شؤون لبنان والعراق يهدف إلى تقوية أوراقها داخل غرف المفاوضات المقبلة، غير أنهم يحذّرون من أن طهران قد تدفع حزب الله للقيام بمغامرة عسكرية إذا ما تدهورت أوضاعها الداخلية واحتاجت إلى رافد خارجي، خصوصا أن أيّ ردّ ضد تحركات الحزب العسكرية أو الأمنية قد يستهدف لبنان وليس إيران.
ويضيف هؤلاء أن أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية تكثف هذه الأيام مراقبتها لتحركات الحزب في لبنان وسوريا، كما تراقب التغيّرات التي طرأت على الخارطة التنظيمية لمشهد الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة.
نقلا عن صحيفة العرب