قال مراقبون للشأن الإيراني إن البلاد تعيش حالة حرب حقيقية في سوريا، مع ما يستدعيه ذلك من إصدار بيانات عسكرية وإطلاق تصريحات استنهاض واستنفار لرفد الجهد الحربي لتبرير تنامي أعداد الخسائر البشرية في صفوف “المستشارين” الإيرانيين.
وتعتبر إيران نفسها في حالة حرب منذ أن أعلنت عن إرسال قوات خاصة من اللواء 65 التابع للجيش الإيراني، وليس للحرس الثوري وفيلق القدس، بما يعني أن الدولة الإيرانية، وليس جناحها المحافظ فقط، متورطة مباشرة في العمليات العسكرية في سوريا.
ويأتي الانخراط الإيراني متكاملا برا مع التدخل الروسي جوا، رغم تباين أجندات الطرفين على النحو الذي يدفع روسيا إلى سحب تغطيتها لمعركة حلب بعد التفاهم مع واشنطن، إلى جانب الإعلان عن سحب كل طائراتها من طراز “سوخوي 25” المتواجدة في سوريا، فيما تعتبر إيران ونظام الرئيس بشار الأسد أن معركة حلب ضرورة لا تراجع عنها.
وقد بدت الأوساط الإيرانية مرتبكة في الأيام الأخيرة جراء تزايد أعداد القتلى الإيرانيين. فقد أعلنت طهران رسميا عن سقوط 34 عنصرا بين قتيل وجريح في معركة خان طومان (15 كيلومترا جنوب غرب حلب)، فيما قالت مصادر في المعارضة السورية إن الرقم أكبر من ذلك بكثير وقــد يصل إلى المئات.
ونقلت تقارير عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، معلومات قالت المنظمة إنها حصلت عليها من داخل قوات الحرس الثوري، تفيد بأن معركة خان طومان التي وقعت يوم الجمعة الماضي، أفشلت خطة إيرانية لاحتلال حلب، تعمل عليها قوات الحرس الثوري منذ أشهر.
وتعتقد أوساط دبلوماسية أن لمعركة خان طومان بعدا استخباراتيا عالي المستوى، ذلك أن الهجوم استند على معلومات قد يكون مصدرها أجهزة إقليمية أو دولية.
واعترف أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران اللواء محسن رضائي بأن مدينة خان طومان “تعرضت لهجوم مباغت” وتمت السيطرة عليها وانتزاعها من قبضة قوات النظام والمستشارين الإيرانيين.
ووصفت صحف إيرانية المعركة بـ”الغارة الأميركية” على الهدنة، في الوقت الذي قال فيه رضائي إنه “تم إسناد التكفيريين بغطاء ناري من قبل قوات الجيشين السعودي والتركي” في هذه المعركة.
ويتطور الخطاب الإيراني في توصيف انخراط طهران في الحرب السورية من “الدفاع عن المراقد”، إلى مكافحة الإرهابيين والتكفيريين، على حد قول علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني الأعلى.
وعادة ما يكون التوصيف الأول موجّها للداخل المتديّن في بعده المذهبي الشيعي، فيما يستهدف التوصيف الثاني، الذي يتبناه دبلوماسيون مخضرمون في حكومة الرئيس حسن روحاني، التماهي مع الخطاب الدولي في الحرب ضد الإرهاب.
وعزت طهران خسائرها الأخيرة في ريف حلب إلى تقصير روسيا العسكري وفق وكالتي أنباء “فارس” و”تسنيم” المقربتين من الحرس الثوري الإيراني. وقالت وكالة “تسنيم” إن “ثقة روسيا بالوعود الأميركية كانت وراء تراخي قواتها في حلب، مما تسبب في إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الحرس الثوري”.
ويرى مراقبون أن تأكيد طهران على أسر 6 من جنودها في سوريا، وفق تصريحات إسماعيل كوساري رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان الإيراني، يعني أنه لم يعد بالإمكان إخفاء الأمر، خصوصا وأن التململ الشعبي المضمر بات يأخذ أشكالا علنية.
وأشاروا إلى بيان أصدره الحرس الثوري يدعو فيه الإيرانيين إلى “الهدوء”، في معرض التعليق على خسائر الأيام الأخيرة في سوريا.
وتناقلت وسائل إعلام مقربة من إيران أنباء تتحدث عن انتقال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري للإشراف على “معركة حلب”. وتعتبر أوساط المعارضة السورية أن هذه التسريبات هي مناورات إعلامية تهدف إلى رفع معنويات القوات الإيرانية في سوريا.
وإذا كانت هذه المعلومات صحيحة فستعني إعادة الاعتبار لسليماني وفيلق القدس في الحرب السورية، لا سيما بعد ظهور أعراض تململ داخل الجيش الإيراني، عبّر عنها بمواربة القائد العام للجيش الإيراني عطا الله صالحي، حين اعتبر أن تواجد عناصر من اللواء 65 التابع للجيش جاء تطوعيا، أي لا يخضع لأوامر من قيادة الجيش.
ويرى خبراء أنه لا مجال في الوقت الحاضر لتراجع إيران عن انخراطها الكامل في الحرب السورية، ما يفسر إرسال مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي إلى دمشق، وتأكيد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان استمرار بقاء “المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا”.
ولا تريد إيران استمرار الهدنة. وتشنّ كافة الأوساط العسكرية والدبلوماسية الإيرانية هجوما ضد وقف إطلاق النار.
واعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن ما حدث في خان طومان بريف حلب، أثبت أن مخاوف إيران كانت صحيحة وتتناسب مع واقع الساحة، وأن “وقف إطلاق النار إنما هو فرصة تستغلها الدول الداعمة لترميم التنظيمات الإرهابية”.
العرب