إنسايد آريبيا — بالإضافة إلى آثاره الاقتصادية المفجعة التي ستحل بالمدنيين السوريين المتعبين من الحرب أساساً، بما فيها نقصٌ حاد في المواد الغذائية، وبينما يهدف قانون “قيصر” إلى منع الجهات الفاعلة الدولية من المشاركة في مبادرات ما بعد الحرب لإعادة الإعمار في سوريا، سيفتح القانون غالباً فرصاً أكبر أمام إيران، التي لم تعد تملك الكثير لتخسره في مجابهتها مع العقوبات الأمريكية.
متبعةً سياسة شرسة تماثل في شدتها حملة “الضغط الأقصى” المطبقة كعقوباتٍ اقتصادية على إيران، وضعت إدارة ترامب قيد التنفيذ مجموعة هائلة من العقوبات التي تستهدف نظام أسد منتصف شهر حزيران / يونيو تحت مسمى “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019″— الذي بات يعرف اختصاراً بقانون قيصر أو الأمر التنفيذي “13894”.
وفقاً لورقة حقائق صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية في 17 حزيران / يونيو، يستهدف قانون “قيصر”، الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب كقانون في 20 كانون الأول / ديسمبر، “الأجانب ممن يساعدون نظام أسد في الاستحواذ على البضائع، الخدمات والتقنيات” التي تساعد بدورها نشاطاتٍ عسكرية، صناعة منتجات النفط والغاز، وأعمال إعادة الإعمار.
وفي سياقٍ مماثل، يستعرض الأمر التنفيذي رقم “13894”، الموقع من قبل الرئيس ترامب في 17 تشرين الأول / أوكتوبر عام 2019، “عقوبات مصنفة على شكل قوائم” تتضمن “استبعاد الأفراد الأجانب من النظام المالي الأمريكي حال انخراطهم في أو تمويلهم أي أعمال من شأنها إعاقة، منع أو خرق اتفاق وقف إطلاق نار أو حلٍ سياسي” للأوضاع في سوريا.
بينما جرى وصفه بـ “أشد العقوبات” المفروضة على سوريا حتى اليوم، يهدف قانون “قيصر” وما يتصل به من عقوبات إلى تطبيق الضغط الأقصى على النظام، موجهاً إياه إلى تطبيقٍ كامل للعملية السياسة” كما صرحت وزارة الخارجية الأمريكية، وهو تصريح يستدعي بشكل ملحوظ السياسة الأمريكية نحو طهران — حليف أساسي لنظام أسد.
عدا عن تبعاته الاقتصادية التي سيعاني منها المدنيون السوريون الذين فتكت بهم الحرب، بما في ذلك الشح الحاد بالمواد الغذائية، فوفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، قد ارتفع عدد السوريون “غير الآمنين غذائياً” من 7.9 إلى 9.3 مليون. من الممكن أن يردع قانون “قيصر” جهات فاعلة دولية عن الانخراط في مصالحة سياسية أو مبادرات ما بعد الحرب لإعادة الإعمار في الدولة العربية؛ ليخلق بذلك حيز مناورة أوسع لدولة مثل إيران التي ترزح أساساً تحت “الضغط الأقصى”، بينما لم يعد بوسعها خسارة إلا القليل في وجه العقاب الأمريكي. توطيد التحالف الإيراني السوري
قبل فترة طويلة من تنفيذ العقوبات واسعة النطاق ضد نظام أسد بموجب قانون “قيصر”، كانت طهران قد وضعت عينها على حصصٍ أوسع في “سوق ما بعد الحرب في سوريا، البالغ من القيمة 200 مليار دولار” في وقت تستمر العقوبات الأمريكية بتضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني.
“على الرغم من الروابط السياسية القوية التي تجمع كلاً من سوريا وإيران، إلا أن هناك حلقة مفقودة، تتمثل بالعلاقات الاقتصادية” بين البلدين، والتي غلب عليها “الضعف بشكل تقليدي”، لاسيما بين القطاعات الخاصة، كما أشار حسن دنائي فر، رئيس المقر الرئيسي لتطوير العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع العراق وسوريا، في إحدى المقابلات خلال تشرين الأول / أوكتوبر عام 2019.
وأضاف دنائي فر، السفير السابق إلى العراق، أن 12 مجموعة، تتضمن كلاً منها 22 من أقوى رجال الأعمال الإيرانيين، قد زارت سوريا طوال السنوات السابقة، هذا وقد تلقت طهران زيارات مماثلة من قبل أعضاء مجتمع الأعمال السوري لعقد صفقاتٍ اقتصادية. “حيث ارتفع الميزان التجاري السوري-الإيراني بنسبة 25%” منذ العام الماضي. هذا وأشار إلى “دخول روسيا والصين” إلى الاقتصاد السوري، منوّهاً إلى ضرورة “التسلح باليقظة” بالتعامل مع المنافسين.
وعلى نحوٍ متوقع، اكتسب التركيز على “الحلقة المفقودة” في العلاقات بين نظام أسد وطهران المزيد من الزخم بعد أن دخل قانون “قيصر” حيز التنفيذ في 17 حزيران / يونيو، حيث التقى وفد إيراني، يترأسه دنائي فر، في اليوم نفسه رئيس وزراء أسد الجديد حسين عرنوس في دمشق، للتفاوض حول توسيع العلاقات الثنائية، الاقتصادية منها، الثقافية والعلمية كذلك. أكد عرنوس، بدوره وبشكل مثير للاهتمام خلال اللقاء، “أن لدى سوريا خطة مكثفة لتطوير صناعاتها الغذائية والزراعية لغاية تنمية الاستدامة لدى الشعب السوري في وجه العقوبات الوحشية و [الحصار] الاقتصادي المفروض على البلد.”
وجدير بالذكر أن الممثل الأمريكي الخاص بسوريا، جيمس جيفري، كان قد نبه حلفاء واشنطن العرب ضد جهود التقارب هذه في نفس اليوم الذي تم فيه تطبيق قانون قيصر. ووفقاً للموقع قد تنطبق نفس الديناميكية التقييدية على روسيا، أقوى حلفاء نظام أسد، حيث أنها هي الأخرى تسعى بنشاط للانطلاق بمشروع إعادة الإعمار السوري بعد الحرب، وإن كان بدرجة أقل من إيران. في هذه الأثناء، لا تقتصر المحاولات الإيرانية “لقلب التهديدات في سوريا إلى فرص” — كما توصف المحاولات من قبل واضعي السياسات الخارجية في طهران عادةً — على فضاءات السياسة “الناعمة” الاقتصادية والتجارية فحسب.
في أواخر حزيران / يونيو، زعمت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية المتشددة – التابعة للحرس الثوري الإسلامي – في تقرير نادر تم حذفه بعد فترة وجيزة من النشر أن قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قآني سافر إلى سوريا للإشراف على “مناطق القتال ضد الدولة الإسلامية “. بعد أقل من أسبوعين، وقعت طهران ونظام أسد على اتفاقية عسكرية “شاملة” لتعزيز قدرات سوريا على “الدفاع الجوي” خلال اجتماع ٍ بين الجنرال محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، ووزير دفاع نظام أسد علي أيوب، عقد في 8 تموز / يوليو.
حيث نوّه الأخير في إشارة واضحة إلى العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر” والغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على المواقع العسكرية السورية والإيرانية على الأرض، إلى أن “هذا الاتفاق سيعزز من عزمنا وتصميمنا على التعاون ضد الضغوط الأمريكية”. أثارت الصفقة، التي وصفتها مصادر قريبة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأنها “ذات قيمة إستراتيجية” ، إمكانية قيام الحرس الثوري الإيراني بنشر معدات للدفاع الجوي، بما في ذلك منظومة “باور 373 ” —صواريخ أرض-جو متنقلة — في سوريا لدرء الغارات الجوية الإسرائيلية بينما تواصل روسيا غض الطرف عنها، بطريقة تثير استياء طهران.
يجب أيضاً النظر في التدخل الإيراني الوثيق في سوريا انطلاقاً من أعمال الموازنة الروسية بين إيران وإسرائيل – لا سيما في المناطق المجاورة للأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل مثل القنيطرة ومرتفعات الجولان، ومحاولات موسكو التنافسية لاحتواءٍ أوسع للمجموعات شبه العسكرية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في كافة الأراضي السورية.
خلاصة القول، هي أن قانون “قيصر” سيزيد من اعتماد نظام أسد على إيران، على غرار ما فعله “الضغط الأقصى” الأمريكي على فنزويلا. وبالتالي، بالنظر إلى الحقائق والتطورات على الأرض، من المتوقع أن يتم تمكين إيران بدرجة تمنحها موقعاً أكبر حتى “كمستخدم لحق النقض / الفيتو” في سوريا.
نقلا عن اورينت نت