كتب المعلق الأمريكي المعروف ديفيد إغناطيوس مقالا نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، عن تركيز الولايات المتحدة في حملتها على جبهة النصرة في سوريا.
ويقول إغناطيوس: “في الوقت الذي بدأ فيه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بتحقيق مكاسب ضد تنظيم الدولة، بدأ المسؤولون يركزون اهتمامهم على جماعة جهادية أخرى، يعتقدون أنها تمثل تهديدا طويل الأمد، ألا وهي فرع تنظيم القاعدة المعروف باسم جبهة النصرة”.
ويعلق الكاتب قائلا إن “جبهة النصرة لعبت لعبة انتظار ذكية خلال السنوات الماضية، ودمجت نفسها بالجماعات المعتدلة، وقدمت نفسها على أنها مقاومة سنية ضد نظام بشار الأسد، وتجنبت الجماعة العمليات الإرهابية الأجنبية، ولم تركز في عملياتها على استهداف الجنود الأمريكيين، وقامت في الوقت ذاته بتطوير شبكة علاقات قريبة مع جماعات المعارضة، مثل جماعة أحرار الشام، التي تحظى بدعم من قطر والسعودية وتركيا”.
ويشير إغناطيوس إلى أن “الطموح الجهادي العالمي لأسامة بن لادن لا يزال جزءا من (الحمض النووي) لجبهة النصرة، ويتحدث المسؤولون الأمريكيون عن أدلة تظهر أن الجماعة تخطط لعمليات خارحية ضد أوروبا والولايات المتحدة، وحاول ناشطوها، على ما يعتقد، اختراق تجمعات المهاجرين السوريين في أوروبا”.
ويذكّر الكاتب بتحذير قدمه معهد دراسات الحرب في واشنطن، الذي يقوم بمراقبة الأحداث في سوريا، مشيرا إلى أنه ذكر في توقعاته القادمة لما سيجري في سوريا بحلول كانون الثاني/ يناير 2017 أن “جبهة النصرة ستقوم بإنشاء إمارة إسلامية في شمال غرب سوريا”، وستندمج مع الجماعة المعتدلة وهي أحرار الشام.
ويرى إغناطيوس في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، أن “الاندماج، حتى لو لم يكن كاملا، فإنه سيحقق هدف جبهة النصرة بشكل كامل، وهو توحيد المعارضة في شمال سوريا تحت قيادتها، وسيضع الأسس لكي تقوم جبهة النصرة باستيعاب ما تبقى من عناصر مستقلة في المعارضة السورية أو هزيمتها”.
ويجد الكاتب أن “السؤال الملح على إدارة الرئيس باراك أوباما هو كيفية مواجهة تنظيم جبهة النصرة، الذي يتحرك لملء الفراغ الذي يتركه تنظيم الدولة، الذي يفقد مناطقه وشعبيته، وفي مثل ملامح الحرب في سوريا كلها لا تعثر الإدارة الأمريكية إلا على خيارات سيئة، والإصدار الحالي من الكابوس السياسي هو ما يتعلق بموقف روسيا، وإن كانت حليفا في قمع الجهاديين أم لا”.
ويذهب إغناطيوس إلى أن “وزير الخارجية جون كيري، يبدو أنه يتبع خطا شائكا من ثلاثة مسارات، وتضم خطة كيري عمليات أمريكية روسية مشتركة ضد الجماعة، بالإضافة إلى تنظيم الدولة، ويأمل كيري بتخفيف هجمات الأسد على الجماعات المعتدلة، بحيث يساعدها على تحقيق مكاسب ضد تنظيم الدولة، بدلا من جبهة النصرة”.
ويعلق الكاتب قائلا: “مثل بقية رهانات كيري، فما يقوم به هو مناورة ذات مخاطر عالية، ويخشى مؤيدوه من أن خطواته جاءت نتاجا للحاجة الماسة، بدلا من كونها استراتيجية مفصلة”.
وتورد الصحيفة أنه بحسب مصدر مطلع على خطة كيري، فإنها ستبدأ بمحاولة لتخفيف العنف، مثلما حدث عندما اتفق الأمريكيون والروس على خطة وقف “الأعمال العدائية”، التي أعلن عنها في شباط/ فبراير، مشيرة إلى أنه في حال تراجع العنف، وسمح النظام السوري بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في حلب والمناطق الأخرى، فعندها ستبدأ أمريكا بمشاركة روسيا بالأهداف.
ويجد إغناطيوس أن “أمرا مشجعا في هذه الخطة، التي لم توضع موضع التنفيذ، هو محاولة الحد من الغارات الجوية التي يقوم بها النظام ضد مناطق المعارضة، ولو توقفت البراميل المتفجرة، فإن ذلك سيؤدي إلى مرحلة جديدة من تخفيف العنف، إلا أن هناك شكوكا في إمكانية تطبيق الخطة، حتى من المسؤولين الأمريكيين، الذين أسهموا في الحزمة الأمريكية الروسية”.
وينقل الكاتب عن المستشار البارز لائتلاف المعارضة بسام برابندي، قوله إن الكثير من السوريين يعدون جبهة النصرة جماعة إرهابية، وسيدعمون جهودا تدريجية للولايات المتحدة ضدها، مستدركا بأنه عبر عن خشية السوريين من أن يؤدي التحالف الأمريكي الروسي ضد تنظيم الدولة إلى تقوية الأسد، و”قتل الثورة”.
ويرى إغناطيوس أن “دبلوماسية كيري تعاني من ضعف في المقايضة، وتعتقد كل من روسيا والنظام السوري أنهما يربحان الحرب، حيث يقومان بتشديد الحصار على مناطق المعارضة في حلب، ولا توجد هناك حوافز تدفعهما لتقديم تنازلات ذات معنى يمكن أن تقنع المعارضة، وفشل برنامج تدريب المعارضة، الذي أشرفت عليه المخابرات الأمريكية على مدار ثلاث سنوات لبناء قوة عسكرية معتدلة، تستطيع مواجهة جبهة النصرة”.
ويستدرك الكاتب بأنه رغم النجاح للجيش الأمريكي في قتال تنظيم الدولة، عبر دعم الجماعات الكردية السورية، والمعروفة بوحدات حماية الشعب، إلا أن الاستراتيجية التي تركز على الأكراد تغضب كلا من تركيا والمعارضة السنية.
ويلفت إغناطيوس إلى أنه “لا تزال الحرب الأهلية السورية منذ خمسة أعوام مشكلة من الجحيم، فالتحالف مع روسيا ضد جبهة النصرة يحمل مخاطر تعميق الدعم لها بين السنة، وبشكل آخر تنفيرهم، واستمرار تبني هذه الاستراتيجية يعني الفشل الذريع”.
ويخلص الكاتب إلى أن “النهج الصحيح كان هو قيام الولايات المتحدة عندما بدأت هذه الفوضى بتقديم الدعم الإنساني، والحكم، والأمن، للمناطق التي تم تحريرها من قبضة الأسد والجهاديين، حيث إن الواقعية هي مصيدة في سوريا، وعمل الصحيح هو سياسة جيدة”.
بلال ياسين
عربي 21