“مبلا في مدرسة، وفاتحة هلأ بس أنت ما بدك تروح ولا حابب تتعلم.. “، بصوت غاضب ونبرة حزينة رد “براء” ابن التاسعة من العمر على رفيقه الذي يناديه من شرفة المنزل؛ ليخبره أن يعود لبيته لأن المدارس مغلقة في مدينة إدلب وريفها بسبب الحملة الشرسة التي يشنها الطيران السوري وحليفه الروسي مستهدفا كافة التجمعات في المنطقة.
لم يصدق براء ما قاله صديقه؛ على أمل أن يصل ويجد باب مدرسته مشرعا لاستقبال التلاميذ، لكنه – كالعادة – وجده مغلقا فعاد خائبا وهو يحمل حقيبته المدرسية على ظهره، وقد أتعبه حمل الكتب ظنا منه أن المعلمة ستعوضه عمّا فاته.
“مجزرة الأقلام” كما سماها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فلم تسلم مدرسة في إدلب وريفها من وحشية النظام وهمجيته، لتنضم بلدة الهبيط إليها وتُشيّع شهيدين من طيور الجنة بعد أن استهدف النظام بإحدى غاراته مدرسة في البلدة، فالنظام لا يرحم ولا يقيم اعتبارا لأولئك الأطفال الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب، وليسوا طرفا فيها، لذلك عزف كثير من الأهالي عن إرسال أبنائهم إليها خشية من أن يستغل النظام تجمعاتهم ويكونوا ضحايا لإجرامه.
ولم تصدر مديرية التربية الحرة في محافظة إدلب قرارا رسميا يقضي بإغلاق المدارس أو تأجيلها، إلا أن المراصد على “القبضات” عممت على المدنيين تخفيف التجمعات فتسبب ذلك بتخوّف الأهالي من أن يقوم النظام باستهداف المدارس وارتكابه مجازر بحق أطفالهم.
ونظرا لملازمة الأطفال البيت طيلة الفترة الماضية التي استوجبت ذلك، باتوا يبحثون عن وسائل جديدة يملؤون بها وقت فراغهم؛ في محاولة منهم لخلق عالم خاص بهم يجدون فيه ما ينقصهم في حياتهم اليومية.. في ظل غياب كافة الوسائل الطبيعية التي ينعم بها الأطفال في سنهم كالذهاب للمدرسة دون خوف، وبعض النشاطات والنزهات أو العلاقات الاجتماعية التي حرموا منها بسبب تشتت وتشرد المجتمع السوري.
فكانت مواقع التواصل الاجتماعي ملاذهم ووسيلتهم الوحيدة المتاحة أمامهم كنافذة يلجؤون إليها للتواصل ولإثبات شخصيتهم، لكنها رغم تحقيقها جزءا من هدفهم المنشود إلا أن لها تأثيرا سلبيا كبيرا قد لا تظهر نتائجه في الوقت الحالي، ولعل أهمها عيش الطفل في عالم وهمي ما يلبث أن يصطدم بالواقع المنافي لذلك العالم، فيحبط ويمر بتوترات تؤثر على نفسيته التي عانت من الفقد والحرمان ما يكفي.
جيل بأكمله يعيش حالة من الضياع والتشتت والحرمان حتى من أبسط حقوقه الذي نص عليه كافة الشرائع ومؤسسات المجتمع الدولي ألا وهو “التعلم”، ليحاول تعويض هذا النقص باللجوء إلى وسائل قد تضره أكثر ممّا تنفعه، فيبقى في دوامة الحرب وأسيرها، فهل سيستفيق هذا العالم النائم عن جرائم النظام ويجد حلا لملايين الأطفال الذين يُعتبرون الضحية الكبرى في هذه الحرب؟ أم أن النظام سيواصل تصعيده العسكري وسيواصل ارتكاب المجازر بحق الأطفال غير آبه بأحد؟
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد