أثار اسم “مابوك”، الذي أطلقه ناشطون ووسائل إعلام كردية على مدينة منبج بريف حلب الشرقي، حفيظة وسخرية في أوساط مؤيدي الثورة السورية، وذلك بالتزامن مع تقدم “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، بدعم من التحالف الدولي، في محيط المدينة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، وتعدّ أكبر معاقله في ريف حلب.
وذهبت أوساط كردية، من بينها قناة “روناهي” المقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تتبع له الوحدات المسلحة، الذي ينظر إليه على أنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، بالقول إن اسم مدينة “منبج” هو معرّب، وأنها مدينة كردستانية كان يطلق عليها اسم “مابوك”. وقالت القناة إن هذا الاسم مؤلف من مقطعين ”ما” وتعني “بقيت”، و”بوك” وتعني “العروسة”، وتعني معا ”العروسة الخالدة”، بحسب القناة الكردية.
وتسرد القناة على صفحتها الرسمية على فيسبوك” ما تقول إنه تاريخ للمدينة، وقالت إن أجداد الكُرد، (الحثيين)، استولوا عليها بعد مهاجمة بلاد أقربائهم “الميتان هوريين”، ثم استولى عليها “الآشوريون”، قبل أن يستعيدها أجداد الكُرد “الميديين”، وفق الرواية ذاتها.
الاسم هذا وما تبعه من معلومات تاريخية مروية من طرف واحد، قوبل بسخرية من قبل ناشطين في أوساط السوريين، الذين بدأوا بإطلاق أسماء كردية وهمية على مدنهم وبلداتهم العربية تهكما على هذه الرواية، معبرين عن استهجانهم مما يروج له بعض الكُرد، وأن مثل هذه الخطوات تشل محاولة جديدة استباقية لضم هذه المنطقة إلى الإقليم الكردي، كما حصل سابقا مع مدينة “تل أبيض” بريف الرقة، والتي يطلق عليها الكرد اسم “كري سبي”.
كما أصبحت مدينة جرابلس المجاورة لمنبج “كركاميش”، وكذلك مدينة الرقة أصبحت “روكا”، كما انتهى المطاف بآخرين ليقدموا دراسات تاريخية غير موثقة، لم يعرف لها أصل في الموسوعات والكتب التاريخية، تدعي بأن مدينة حلب والمعروفة تاريخيا باسم “الشهباء” هي بالأصل من مقطعين “شاه” و”باء”، وتعني “هواء الملك” وأنه تعود تسميتها لعام 2400، على حد قول جهات كردية.
وفي هذا السياق، يعلق الباحث في شؤون الجزيرة السورية، مهند الكاطع، على “موضوع تغيير مسميات القرى والبلدات من قبل منظمة حزب العمال الكردستاني، التي أطلق عليها قوات سوريا الديمقراطية برغبة أمريكية، لمحو الانتهاكات الجسمية التي ارتكبتها تلك المليشيات، والتي وثقتها منظمات محلية ودولية ومنها منظمة العفو الدولية، وربما رغبة أيضا في تخفيف الاحتقان التركي حيال دعم الأمريكان لقوات الحماية التابعة لحزب العمال الكردستاني”.
ويضيف لـ”عربي21″: “أعتقد أنه (تغيير الأسماء) يأتي ضمن رسائل توجهها هذه المنظمة للغوغاء والعنصريين من الأكراد للإيحاء لهم بأنهم يقومون بعملية السيطرة على أراض بغرض جعلها كردية، أو جزء من كردستان، وفق المخيال الكردي، الذي يفترض وجود أرض كردية في سوريا وفق الخطاب الكردي الجديد للأحزاب الكردية والمتصاعد منذ بدء الثورة السورية”، بحسب تعبيره.
ويضيف الكاطع: “برأيي موضوع تغيير أسماء المدن التاريخية القديمة التي تعود للحقبة الآرامية والآشورية والنبطية العربية، هو أمر لا يعدو كونه هرطقة لا قيمة لها ولا معنى ولا تأثير، فبلدة تاريخية مثل رأس العين تم تحويرها وترجمتها إلى الكردية ليدعي هؤلاء بأنها مدينة كردية، ليُرضوا بعض العنصريين ويضمنوا مساندتهم”.
ويتابع: “وكذلك منطقة مثل الجزيرة الفراتية التاريخية اختلقوا لها اسما غريبا “روجافا”، كما فعل تنظيم الدولة، عندما أطلق مسمى ولاية البركة عليها! واليوم منبج يتم تحريف اسمها وادعاء بأنها مدينة كردية أسسها الحثيين”.
ورأى الكاطع أن المسؤولين عن هذه الخطوات “يفترضون أن الحضارات البائدة كالحثية والهورية والسومرية، كلها تعود لأجداد الأكراد، وهذا ادعاء باطل يفنده العلماء الأنثروبولوجيون والتاريخيون”، مضيفا: “ماذا عسانا نقول لمن وصلت بهم الادعاءات للقول بأن الشهباء هي تسمية كردية مشتقة من مقطعين “شاه باء” أي هواء الملك بالكردية، وأن العرب جاؤوا إليها منذ حقبة حزب البعث فقط؟!”.
أما الصحفي السوري عبو الحسو، فيقول لـ”عربي21″: “ما يفعله (حزب الاتحاد الديمقراطي) PYD؛ فعله قبل ذلك نظام البعث بتعريب أسماء القرى الكردية والتركمانية (..)، فبعض المناطق لم يتواجد فيها الكرد مطلقا” تاريخيا، ومنها مدينتا حلب ومنبج، مضيفا: “حتى الدولة الأيوبية عندما حكمت حلب؛ لم يكن الرعية كردا، وإن كان الحكام الأيوبيين من الكُرد”.
ويختم الحسو حديثه بالقول: “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يرتكب خطأ تاريخيا بمحاولة تغيير ديمغرافي، وتغيير أسماء مناطق عربية وحتى تركمانية إلى كردية، وما يجمعنا مع إخواننا الكرد الكثير في التاريخ والجغرافيا والدين المشترك، لكن هذه التصرفات ستترك آثارا وأحقادا في النفوس، لن تزول بسرعة وستكون شرارة فتنة دائمة في المستقبل، و نتمنى من العقلاء بينهم الوقوف بوجه هكذا مخططات” قال إنها تحظى بدعم أمريكي وروسي لإنشاء كيان كردي في هذه المنطقة، وفق قوله.
من جانبه، علق الصحفي السوري أحمد كامل، على صفحته على فيسبوك، بقوله: بحسب الهستيريا المنظمة المسيطرة على الشارع الكردي، تعدّ المدينة كردية إذا كانت تسكنها الآن أغلبية أو أقلية من الأكراد، ولو لم يسكنها كردي منذ الأزل وحتى يوم أمس”، أو “سكنتها أغلبية أو أقلية من الأكراد لفترة في الماضي، ولو انقطعت صلتهم بها منذ ألوف السنين”.
ويضيف كامل محذرا: “بهذه الازدواجية في المعايير والقيم، سيتم محو كل القوميات الأخرى الموجودة في المنطقة منذ بدء الوجود البشري على كوكب الأرض، وستقوم حروب لا تنتهي أبدا”، وفق تقديره.
عربي21