“إذا لم تكن تخطط، فستكون جزء من خطة الآخرين”
تأثرت كتابة هذا المقال بالفوضى الشديدة في إدارة طوارئ الصحة العامة والامراض المعدية كفيروس كورونا في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2020 على جميع المستويات العلمية والأكاديمية والتوعوية والمهنية.
قال أحد العلماء: “لا يمكنك إدارة ما لا تفهمه”. فكيف ندير ونخطط لعمليات وبرامج إدارة الطوارئ والكوارث الطبيعية والصحية وغيرها التي تتعلق بالأرواح والممتلكات والبيئة. قد يقول بعضهم مثلي، الإجابة سهلة نفهم ثم نخطط ثم نتعلم ثم نتدرب ثم ننفذ ثم نسعى للتميز في مجال إدارة الطوارئ والكوارث. فهل تلك هي حالنا؟ دعوني آخذكم برحلة قصيرة لنكتشف ما وقف عنده الآخرين وسأركز على مجال الجامعات والبرامج الاكاديمية لإدارة الطوارئ والكوارث كوني مهتم به ثم نرى أين نحن من الممارسات العالمية ثم نقدم بعض الوصفات الصحية.
في أواخر عام 1993، تم إرسال مدير جديد إلى معهد إدارة الطوارئ الأمريكي بواشنطن العاصمة EMI . كان إعصار أندرو مازال حيا في أذهان المشرفين على المعهد وتداعياته على التدريب. من أهم تلك “الدروس التي لوحظت” هي فشل جميع الجهود الحكومية المحلية والفيدرالية في الاستجابة بشكل مناسب لهذا الإعصار والذي نجم عنه خسائر بشرية ومادية وبيئية كبيرة بالإضافة إلى السخط الشعبي على جاهزية الحكومة بالتعامل معه.
كان أحد القرارات الأولى التي اتخذها المشرف الجديد هو تركيز التمويل المالي المحدود بدرجة أكبر على التدريب وبناء القدرات التشغيلية والميدانية والادارية. فقد جزم أن الوكالة المعنية بعمليات التأهب والاستجابة للكوارث على نطاق واسع وبوجود كارثة طبيعية مثل أندرو، من غير المحتمل توفير دعم إضافي مالي وبشري لمهمة التدريب المهني والتعليم الجامعي. وقرر “تسليم” مهمة معهد إدارة لطوارئ إلى مختصين التعليم العالي حرصا وايمانا بضرورة أحداث نقلة نوعية وسريعة لتوفير قادة ومهنيين لإدارة الطوارئ والكوارث بالبلاد. في ذلك الوقت، لم يكن في الولايات المتحدة الامريكية سوى برنامج بكالوريوس يتيم يدرس بأحد الجامعات بالإضافة إلى ثلاث شهادات متوسطة وساعاتها المعتمدة اختيارية بحتة.
سعى المعهد إلى استقطاب مجموعة من الأكاديميين المهنيين لإدارة برنامج التعليم العالي في معهد إدارة الطوارئ الأمريكي من خلال إبرام الشراكات ومذكرات التفاهم وعقد ورشات عمل وجولات عصف ذهني موسعة مع مؤسسات التعليم العالي للوقوف على الوضع الحالي للتخصصات العلمية والشهادات العلمية المتعلقة بإدارة الطوارئ والكوارث والدراسات المتعلقة بهما. منذ عام 1993، ساعد برنامج التعليم العالي في معهد إدارة الطوارئ الأمريكي في تعزيز النمو في مجتمع مؤسسات التعليم العالي ليشمل أكثر من 150 جامعة وبرنامجًا لإدارة الطوارئ وتوسيع نطاق التعليم العالي لإدارة الطوارئ في مجتمع المهنيين العاملين في هذا المجال.
يتفق جميع المهنيين الممارسين في مجال إدارة الطوارئ والكوارث أنه أصبح علما مبنيا على مزيج من الأسس الأكاديمية والمهنية وذلك نتيجة لعقود في التعلم من الدروس الناتجة عن الاستجابة لتلك الكوارث. ونحن الآن لسنا في مجال عرض عناصر هذا العلم بقدر ما نسعى لتسليط الضوء على البرامج الاكاديمية والتي تدرس تخصصات إدارة الطوارئ والكوارث والقريبة منها.
عند عمل بحث باللغة العربية باستخدام محرك البحث غوغل ووضع الجملة التالية “برنامج بكالوريوس وماجستير إدارة الطوارئ والأزمات” تستغرق وقت قليل بعد البحث لتكتشف التالي:
1. العدد القليل جدا (أصابع اليدين) من الجامعات التي تعرض هذا التخصص
2. يتركز محور التخصصات القليلة على مجالات محدودة كالبيئة او المسعفين الأوليين Paramedics كدافع للتخصص
3. تتركز معظم هذه الجامعات في بلدان الخليج العربية وشبه معدوم في غيرها
4. عدم وجود كادر أكاديمي ومهني في هذا المجال يملك خليط من الخبرات الميدانية او صنع السياسات الحكومية
5. لا يُدرّس هذا المجال باللغة العربية
6. عدم وجود استراتيجية وطنية مشتركة مع مؤسسات التعليم العالي في مجال إدارة الطوارئ والكوارث
7. عدم وجود مراكز بحثية لعلوم الطوارئ والكوارث
8. عدم وجود دعم مالي ظاهر لهذه البرامج من قبل القطاع الحكومي او الخاص
9. برامج الدراسات العليا شبه معدومة
10. التكلفة العالية لبعض البرامج في بلدان الخليج العربية والغير مبررة
كعادتي عند كتابة المقالات، أحاول ان أكون إيجابياً ومفيدا لطرح تحليل موضوعي وحيادي للوضع الحالي والبيانات المتوفرة ثم تقديم وصفات صحية عملية او كما نقول في البحوث العلمية توصيات لصانعي القرار السياسي والإداري لحل المشكلة تحت النقاش لكيلا نوضع في بوتقة الجلد الذاتي غير المفيد أو التنظير السطحي كما يُتّهم بعض الأكاديميين.
عند تفاعلي مع القائمين على إدارة الجامعات من خلال المؤتمرات المهنية والأكاديمية أحيانا، يخبروني أنه لا يوجد طلب حقيقي على هذه التخصصات لكي يبرر وضع برنامج بكالوريوس أو حتى ماجستير بتبعاته المالية والبشرية والإدارية. لسنا بصدد مناقشة نوع الجامعات حكومية أو خاصة ودوافعها واستراتيجياتها وأولويّاتها باختيار التخصصات فسندع هذا ليوم ومقال اخر. فاين تكمن المشكلة؟
رأيي يُعتبر السبب الأهم لعدم وجود برامج أكاديمية وتدريبية رصينة بالجامعات العربية معنية بإدارة الطوارئ والأزمات هو عدم وجود استراتيجية ونهج وطني لتوفير كفاءات عربية في هذا المجال ليس لعدم توفر أحداث وطوارئ وكوارث مؤلمة ولكن لعدم التكاتف بالإضافة لأسباب أخرى مثل:
• نقص في دعم صناع القرار في منطقتنا لهذا المجال
• التعلم من تجارب الآخرين في مجال الشراكة والاستراتيجية الطويلة الأمد والتي اوضحنا منها واحدة فقط في الولايات المتحدة كدولة رائدة في هذا المجال
• عدم وجود مبادرات من المنظمات غير الحكومية والبحثية لملئ الفراغ
الكاتب: د.إسامة الكردي
نقلا عن: مدونات الجزيرة