أضحت مدينة داريا رمزاً للصمود أمام آلة القصف والدمار التي يستخدمها النظام ضد المدن والبلدات الخارجة عن سيطرته.
ويشهد كثير من السوريين بأن هذه المدينة تستحق أن تكون مثالاً للثورة السورية في صمودها، وقد عجز النظام عن كسر عزيمتها على الرغم من عمليات القصف والتدمير الممنهج الذي مارسه ومازال عليها مستخدماً كافة أنواع الأسلحة والطيران.
ويبدو أن أهل داريا نجحوا بتحويل المآسي التي خلفتها المجزرة المروعة التي قامت بها عصابة الأسد في أغسطس/ آب 2012، إلى قوة لا تزال عصية حتى الآن على الأسد.
وحشية النظام
شهدت الفترة الأخيرة اتباع قوات الأسد لعدة أساليب في سبيل السيطرة على المدينة ولم تكتف بالحصار الذي فرضته عليها منذ ما يزيد على السنتين، لكنها لجأت لأساليب المراوغة، حيث سعت للتفاوض مع الجيش الحر هناك، لكنها كانت تعاود الحملات العسكرية بغية إجبارهم على الاستسلام والخضوع.
ويقول “أبو محمد” لـ”السورية نت” وهو أحد عناصر الجيش الحر في المدينة: “في كل يوم تزداد لدينا الرغبة في مقاومة نظام بشار الأسد، ولم تفلح جميع حملاته العسكرية لاقتحام المدينة وأصبحنا على دراية ومعرفة كبيرة بحرب العصابات التي تنهك أقوى الجيوش”.
ويتابع “أبو محمد” قائلاً: “بعد أن خذلنا الجميع صنعنا العديد من الأسلحة واعتمدنا على ما نغنمه من النظام ومن معه من الميليشيات الشيعية”. ويضيف: “لقد عمد النظام إلى قتل الأطفال لإجبارنا على ترك الثورة واستهدفهم في ساحات لعبهم ومدارسهم وتاجر بأجسادهم بعد أن عذبهم في المعتقلات”.
حفر الأنفاق
ومن جهة أخرى لا زالت قوات الأسد المدعومة بميليشيا “الدفاع الوطني” المتواجدة على الحواجز الأمنية المنتشرة بكثرة داخل العاصمة وأحيائها تقوم بحملة اعتقالات واسعة طالت العديد من الشبان وطلاب المدارس بغية استخدامهم في أعمال السخرة وحفر الأنفاق وصنع المتاريس واستخدامهم كدروع بشرية وقت الاقتحام، خصوصاً في المناطق الساخنة كداريا وجوبر وعدرا.
ويؤكد “علي” وهو ناشط بحقوق الانسان لـ”السورية نت”، أن “قوات الأسد قامت باعتقالات تعسفية طالت المدنيين ومن ثم اقتيادهم للعمل بحفر الأنفاق في مناطق النزاع خصوصاً داريا، وقليل هم من عادوا على قيد الحياة فيما يتم إجبار أهل المتوفين على دفنهم بسرية وسرعة تامة لقاء تسليمهم الجثة”.
ويرى “حسان” وهو ضابط ميداني منشق عن النظام، أن القوات الشيعية هي من يقف وراء استخدام المعتقلين بحفر الأنفاق ويقول إنه “نتيجة لعجز النظام عن اقتحام بعض المدن الخاضعة لسيطرة الجيش الحر اضطر لاستخدام ميلشيا حزب الله وغيرها من الميليشيات العراقية الشيعية، وكثيراً ما توكل أمور القيادة والخطط العسكرية لضباط قدموا من إيران، ولا شك أن هؤلاء الضباط هم وراء استخدام المعتقلين وخصوصاً الأطفال للعمل بحفر الأنفاق، فهو نفس الأسلوب الذي استخدمته القوات الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي ضد العراق، عندما استخدمت أعداداً كبيرة من الأطفال لتمشيط حقول الألغام قبل أن تتقدم بقواتها البرية”.
ومن جهة أخرى أشار الناشط الإعلامي “عبدو” إلى أن النظام “لجأ لحفر الكثير من الأنفاق مستخدماً شباباً تم اعتقالهم لهذا الغرض، للوصول إلى أماكن تمركز الجيش الحر وتم تفجير هذه الأنفاق مباشرة لدى اكتشافها”، وأضاف أنه “لم يسلم حتى الأطفال من هذه الجريمة البشعة، فمنذ مدة شاهد الجميع جثة الطفل الذي تم استخدامه من قبل النظام وهو طفل لا يتجاوز عمره 13 عاماً تم ربطه بحبل غليظ ملفوف حول جسده، وجد أمام أحد الأنفاق التي كانت عناصر النظام تعدها في الجهة الشمالية من المدينة”.
الوضع المعيشي
ويتحدث الناشط “عبدو” لمراسلنا نبوخذ نصر عن وضع داريا المعيشي، ويقول إن “نسبة الدمار التي لحقت بالمدينة تتجاوز 70 بالمئة، مع شح في المواد والسلع الغذائية والمستلزمات الطبية”، وأنه “مع حلول فصل الشتاء يواجه ما يزيد عن 6 آلاف مدني صعوبة بتأمين المحروقات ما دفعهم لاستخدام أساليب بديلة كقطع الأشجار واستخدام أثاث المنازل للتدفئة”.
وأكد الناشط “عبدو” في الوقت نفسه على أن “وحدة الصف والإصرار على الصمود هو ما يدفع الأهالي للدفاع عن قضيتهم، حيث شارك العديد منهم بعمليات لإعادة تأهيل الشوارع وإزالة آثار الدمار الناتج عن القصف وذلك ضمن الإمكانات المتاحة”.