في اتصال هاتفي مع غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن بلاده تعتزم إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي على الساحتين الإقليمية والدولية، مشيرا إلى أن «يرتبط بضرورة التصدي الحاسم للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والأطراف الإقليمية الداعمة لها».
يجيء هذا التصريح بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، التقى فيها رئيس النظام السوري بشار الأسد (على طريقة «التباعد الاجتماعي»، وبالكمّامات)، كنوع من إعلان التضامن بين البلدين المحاصرين بالعقوبات السياسية والاقتصادية (وجائحة كورونا)، وكذلك أيضا على خلفية ضجة أثارها استطلاع للرأي أعدته مؤسسة روسية أظهر «تدهوراً في شعبية الأسد»، وفقدانه القدرة على إصلاح الوضع في البلاد، وكذلك نشر مواقع روسيّة مقربة من مركز صنع القرار في موسكو مقالة كتبها السفير الروسي السابق ألكسندر اكسينيوك الذي يعمل حالياً مستشاراً لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز يقدم استشارات لوزارة الخارجية وجه فيها انتقادات قاسية للنظام.
بيت القصيد في الانتقادات كان قول السفير السابق إنه على مدى سنوات الحرب كان «من الصعب أن نميز في أغلب الأحيان بين هدف مكافحة الإرهاب والعنف الذي تمارسه الحكومة ضد مناوئيها»، وبأن «البيانات والخطابات الصادرة عن أعلى وأرفع المستويات فيما يتصل باستخدام القوة في حال عدم رحيل القوات التركية والأمريكية عن سوريا، تبدو منفصلة عن الواقع» وهو ما يعتبر انتقادا مباشرا لرئيس النظام، وهو انتقاد يختلف كثيرا عن طرق الازدراء غير المباشرة التي كان الروس يكشفونها، سواء في «شحن الرئيس» لمقابلة بوتين في موسكو، أو في إيقافه مع الضباط والجنود الروس خلف بوتين، أو باجتماعه به في قواعد عسكريّة روسيّة على الأرض السورية.
إضافة إلى ذلك كان لافتا في قراءة الدبلوماسي الروسي للكارثة السورية في ظل القيادة الحالية وتأكيده على أن «الناتج المحلي السوري هبط خلال 9 سنوات من 55 مليار دولار إلى 22 ملياراً»، وعلى حاجة البلاد إلى «250 مليار دولار لإعادة الأمور إلى نصابها»، وأن «50 في المئة من المنازل دمرت ونصف المرافق الصحية و40 في المئة من المدارس والجامعات، وارتفع معدل الوفيات 3 أضعاف، ووصل مستوى الرازحين تحت خط الفقر إلى 80 في المائة من السكان وانخفض معدل الأعمار بين السوريين 20 سنة»، وبأن الحياة الاقتصادية برمّتها تحوّلت إلى اقتصاد رشاوى وأتاوات وأن كبار رجال الأعمال وأصحاب المشاريع فئتان «ترتبطان بشكل أساسي بعائلة الرئيس وكل من أثرى خلال فترة الحرب»، والخلاصة أنه «لا يمكن للواقع أن يستمر دون إعادة بناء الاقتصاد ودون تطوير المنظومة السياسية التي لا بد أن تقوم على نهج شامل وموافقة دولية».
أيّا كانت أسباب الجهات الروسيّة الوازنة التي سمحت بنشر الاستطلاع والانتقادات، كما ساهمت في نشر آخر فضائح العائلة الحاكمة في دمشق، من شراء الأسد لوحة بثلاثين مليون دولار لزوجته أسماء، إلى تلزيم مشروع «البطاقة الذكيّة» لأحد أقارب السيدة الأولى «الأذكياء»، وبغض النظر عن «الشراكة الاستراتيجية» بين النظام وروسيا في قضايا الحرب على السوريين، والفساد المنظم والممنهج، فإن هذه الوقائع، مضافا إليها المحاكمات التي تجرأ بعض السوريين على إطلاقها للنظام في فرنسا وألمانيا، وقانون «قيصر» الأمريكي، تشير إلى موقع النظام السوري «الطبيعي» هو خارج المنظومة الدوليّة بالتأكيد، أما محاولات النظام المصري وقبلها الإماراتي، لـ«بعثه» والتطبيع معه، فليست سوى دليل على طبيعة النظامين نفسيهما، و«الموقع الطبيعي» الذي يجب أن يكونا فيه.
نقلا عن: القدس العربي