بدأت الأسر السورية الوافدة إلى أوروبا، تنكشف عن الكثير من المشاكل المرتبطة بطرق تربية الأولاد، والمحظورات التي تضعها هذه الدول في التعامل مع الطفل، والتي قد تودي برب الأسرة إلى السجن أو إلى فقدان الأبوين لأولادهم بالكامل.. فما هي وجهة نظر الأسر السورية تجاه هذه المحظورات؟، وكيف يتعاملون معها..؟
القوانين الأوروبية لا تراعي اختلاف العادات والثقافات
يعتقد الكثير من السوريين أن القوانين الأوروبية تضيق الخناق عليهم فيما يتعلق بتربية أولادهم، كما أنها لا تراعي اختلاف الثقافة والعادات والتقاليد، وإنما تتعامل مع الوافدين إليها بنفس قوانين من ولد في هذه البلاد.
ويرى أبو هيثم، وهو لاجئ سوري في فرنسا منذ نحو ثلاث سنوات، أن القوانين الأوروبية تريد أن تساوي بين طفل ولد في فيلا ونشأ وكل شيء موفر له، وبين طفل آخر ولد في خيمة، ونشأ وتربى على اللعب بالتراب ومع أولاد الحارة، وصنع ألعابه بيده ومارس الشقاوة بكافة أشكالها، وهو لا يتجاوز العاشرة من العمر.
ويضيف أبو هيثم، أن الأسرة السورية بشكلها الطبيعي كبيرة وهي مؤلفة من أكثر من ثلاثة أولاد على الأغلب، وقد تصل إلى خمسة وستة أولاد، و”تراكتور”، وهو ما يفرض على رب الأسرة طريقة مختلفة في التربية، تدفعه أحياناً لأن يكون حازماً وعنيفاً في بعض المواقف، ولا ينساق وراء رغبات الطفل.. بينما الأسرة الأوروبية مؤلفة غالباً من طفل وكلب وقطة.
ويتابع أبو هيثم: “إنهم يطلبون منك على الفور وبمجرد أن تطأ قدميك الأراضي الأوروبية، أن تنقلب بشكل جذري، وأن تتحول إلى شخص ناعم ورقيق ورومانسي مع أطفالك الذين لم يعتادوا على هذه المعاملة”.
ويقترح أبو هيثم أن “يكون هناك مرونة في القوانين الأوروبية مع اللاجئيين”، وخصوصاً أنها دول مستقبلة كثيراً للمهاجرين، فلا يجوز حسب اعتقاده أن يتم تعريض الجميع لمقياس واحد.. فلا بد أن يكون هناك تساهل تجاه بعض الأخطاء، من وجهة نظرهم، التي يرتكبها رب الأسرة، ولا تتخذ قرارات كارثية بحقه، قد تودي به إلى السجن.
الابن يتحكم بالأهل
يروي أبو حسين قصة حدثت مع أحد أقاربه في ألمانيا، حيث قام الولد البالغ من العمر 16 عاماً، بإخبار أحد أصدقائه بالمدرسة بأن والده كان في سوريا يضربه، ولازال هنا يهدده بالضرب، فقام هذا الأخير بتبليغ المدرسة.
ويتابع: “لقد قامت الدنيا ولم تقعد بحق هذا الأب، إذ تم استدعاؤه إلى مركز الشرطة، وتم تحريك دعوى قضائية بحقه، واتخذ قرار بإبعاده عن أسرته لمدة ستة أشهر في بيت منفصل، باعتباره شخصاً عنيفاً”.
ويرى أبو حسين، أن هذه الحادثة سوف تترك تأثيراً بالغاً على علاقة أفراد الأسرة ببعضهم البعض، وقد تكون نذيراً بتفككها.
أما أبو زهير، فيروي قصة مشابهة، عن أحد أصدقائه الذي ضرب ابنه البالغ من العمر 8 سنوات، في الشارع، بفرنسا.. حيث تم اعتقاله وسجنه لمدة أسبوع مع كتابته تعهداً بعدم التعرض لأحد أفراد أسرته بالضرب، ووضع العائلة تحت المراقبة، في البيت والمدرسة.
ومن وجهة نظر أبو زهير، فإن الابن هنا في أوروبا هو من يتحكم بالأهل، والأهل هم الذين يخافون من ابنهم بعكس مفاهيمنا..
ويتابع: “في الإطار العام، فإن الطفل الأوروبي ينشأ ويتربى، بعيداً عن سيطرة أهله، وينشأ ولديه إحساس منذ البداية أنه والديه ليسا هما من يتحملان مسؤولية معيشته وإنما الدولة، لذلك تكون شخصيته مستقلة تماماً عن أهله عندما يكبر وقد لا يشعر بالانتماء لأسرته”.
ويعتبر أبو زهير أن هذا الإحساس خطير بالنسبة للأسرة الشرقية، لأنها تنظر إلى الابن على أنه امتداد لها ولتراثها وثقافتها، وتريد أن تغرس فيه مفاهيمها التي تربت عليها.. لذلك تجد نفسها عاجزة هنا عن التدخل كثيراً في تربية الطفل.
تحديات جديدة
يرى الباحث والأكاديمي في شؤون التربية، والمدرس في جامعة أم درمان في السودان، الدكتور اسماعيل العمري، أن الواقع الجديد الذي انكشفت عليه بعض الأسر السورية عند هجرتها إلى أوروبا، سببه بالدرجة الأولى، اختلاف أنماط التربية، وتنوع السويات التعليمية بالنسبة للأبويين، وهو ما يشكل حسب قوله، عاملاً حاسماً في التأقلم مع الوضع الجديد، إذ أن الأسرة المتعلمة قد تكون أكثر تفهماً، بينما الأسرة التي تربت على مفاهيم قديمة، فإنها ستجد صعوبة كبيرة في التأقلم والتوافق مع القوانين والأوضاع الجديدة.
ويعتقد العمري أن الأمر بحاجة لسنوات أكثر كي تستوعب الأسرة السورية طبيعة الاختلاف بين ثقافتها وثقافة البلد الوافدة إليه، مشيراً إلى أن الواقع الجديد الذي بدأت تعيشه هذه الأسر لم يعد بإرادتها التحكم به أو تغييره، وبالتالي لا بد من التأقلم معه بشتى الطرق.
ومن جهة ثانية، يرى العمري، بأن القول أن الأسرة السورية سوف تفقد السيطرة على أفرادها في أوروبا، هو كلام سابق لأوانه، وهي مخاوف مؤقتة سببها الصدمة الحضارية الأولى ومستوى الحرية المتوفرة في هذه البلاد، معتبراً أن مفهوم سيطرة الأهل على الابن، ليست بالضرورة مفهوماً سليماً في المجتمعات الشرقية، ويردف: “كذلك العنف مع الأطفال هو أمر سيء ومرفوض حتى في مجتمعاتنا.. والطفل الذي يعتاد على العنف سوف يكون أكثر قابلية لمخالفة القوانين بحسب مبادئ التربية”.
ويرى العمري أخيراً، أن “الدول الأوروبية تتبع طرقاً حديثة في التربية تناسب مجتمعاتها بكل تأكيد، لكن هذا لا يعني أن هذه القوانين لا تتناسب مع مجتعاتنا، ففيها الكثير من المفاهيم الرائعة والتي تنمي شخصية الطفل”، وبحسب قوله، فإنه يجب أن تستفيد الأسر السورية من هذه المفاهيم الإيجابية، وتحاول أن تغرس في أطفالها مفاهيمها الإيجابية أيضاً وصولاً إلى خلطة قد تكون جديدة ومثمرة بالنسبة للطفل السوري الذي سوف ينشأ ويكبر في أوروبا.
المصدر قاسيون