يبدو أن الوثيقة التي وقع عليها 51 دبلوماسياً أمريكياً هاجموا من خلالها سياسة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في سوريا، قد بدأت تتسبب بكثير من التداعيات داخل إدارة البيت الأبيض التي بدت معنية بمكافحة التداعيات التي قد تسببها تلك الوثيقة، بحسب صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية.
الوثيقة التي دعت أوباما إلى شن هجوم عسكري ضد القوات الموالية لرئيس النظام، بشار الأسد، اعتبرت الأكثر صراحة تجاه تردد إدارة أوباما حيال الأزمة السورية منذ خمسة أعوام، فعلى الرغم من أن انتقادات كثيرة طالت تلك الإدارة بسبب موقفها من نظام الأسد والأزمة هناك، إلا أنها تعد الأحدث والأكثر صراحة وربما الأكثر عدداً، خاصة أن الموقعين على الوثيقة هم من كبار الدبلوماسيين والمحللين السياسيين الأمريكيين.
جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، ادعى بأنه لم يطلع على الوثيقة بعد، وأنه سيفعل ذلك قريباً، في وقت رأى فيه مسؤولون أمريكيون أن الوثيقة التي وقع عليها 51 دبلوماسياً أمريكيا تساوي ثورة داخلية واسعة، إلا أنها قد لا تكون ناجحة لإجبار أوباما على تغيير سياسته في سوريا، ودفع قوات بلاده إلى التدخل المباشر في سوريا.
المتحدث باسم البيت الأبيض، جينفر فريدمان، حاول التخفيف من أثر الوثيقة عندما قال للصحفيين إن إدارة البيت الأبيض منفتحة على أي أفكار جديدة ومختلفة فيما يتعلق بسوريا، غير أنه شدد في الوقت ذاته على أن أوباما لا يرى حلاً عسكرياً للأزمة في سوريا وأنه ما يزال عند رأيه.
المذكرة التي تسربت، ليلة الخميس الماضي، ووقع عليها كبار الدبلوماسيين والمحللين المهنيين من ذوي الخبرة بشؤون الشرق الأوسط؛ حثت واشنطن على تنفيذ هجمات ضد حكومة الأسد لوقف الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه كل من موسكو وواشنطن، محذرة من أن سياسة الولايات المتحدة ستؤدي إلى زيادة دوامة العنف بسوريا.
وخلال العام الجاري دخلت كل من واشنطن وموسكو مفاوضات مباشرة لتثبيت وقف إطلاق للنار في سوريا، في وقت كانت فيه كل من روسيا وإيران تقاتلان نيابة عن الأسد، في حين كانت الولايات المتحدة تعمل على برنامج لتدريب فصائل سوريا معارضة، ومني هذا البرنامج بفشل ذريع.
وطيلة سنوات الأزمة السورية تعرضت إدارة أوباما إلى انتقادات واسعة بشأن تعاطيها مع الملف السوري، وهي ليست المرة الأولى التي يعبر فيها مسؤولون سابقون أو حاليون عن نقدهم سياسة أوباما في سوريا؛ ففي العام 2014 قدم وزير الدفاع، ليون بانيتا، استقالته والسبب كان التردد الأمريكي حيال ما يجري في سوريا، خاصة بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيمياوية. ومؤخراً أعلنت هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، عن خيبة أملها من إحجام الرئيس باراك أوباما عن التدخل في سوريا.
في حين كان السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، من أشد المنتقدين لإدارة أوباما للملف السوري، فبعد أشهر من استقالته عام 2014 اعتبر فورد أن الإدارة الأمريكية، بابتعادها عن مقاربة حقيقة للأزمة في سوريا، ساعدت في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه.
فورد قال في مقابلة إذاعية، يوم الجمعة الماضي، تعليقاً على وثيقة الدبلوماسيين، إنها تبين أنه حتى المسؤولون عن تنفيذ سياسة الإدارة غير راضين عن إدارة الأزمة في سوريا، “لا أعتقد أن سياسة أوباما في سوريا ستنجح، إنها بحاجة إلى تغيير”.
محللون اعتبروا أن تعاطي أوباما مع الأزمة السورية كان بطيئاً، وأن الاحتجاج الذي قدمه الدبلوماسيون كان متوقعاً في ظل ما تعانيه استراتيجية الإدارة من تخبط بسوريا.
رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، أد روس، استشهد الجمعة بالوثيقة التي قدمها الدبلوماسيون، وبين أنه حتى وزارة الخارجية الأمريكية تعتقد أن الفشل هو نصيب سياسة إدارة أوباما في البيت الأبيض، مشيراً إلى أن الكلمة في سوريا الآن للرصاص الإيراني والروسي الذي يدعم الأسد، ويمنحه السبب تلو الآخر لتجاهل وقف إطلاق النار لمواصلة ارتكاب مزيد من الجرائم بحق شعبه.
وكان دبلوماسيون في الخارجية الأمريكية قد علقوا على الوثيقة التي وقعها 51 دبلوماسياً أمريكياً، بالقول إن تكاليف سياسة الرئيس أوباما في سوريا ستكون كبيرة جداً، وإن النتائج المترتبة على تلك السياسة ستمس الأمن القومي الأمريكي.