هل قرر باراك أوباما ان يطل بقوة من المسرح السوري في فصله الختامي الأخير الذي تناساه مدة خمسة أعوام ونيف، وهل اختار الطريقة الأسدية عبر إجراء “حركة تصحيحية” على موقفه من تلك الأزمة الدامية، التي اقتحمها فلاديمير بوتين عسكرياً منذ أيلول الماضي فبدت أميركا كأنها رضخت لروزنامته، ما قد يحدث تعديلاً كبيراً في توازنات الجغرافيا السياسية في هذه المنطقة الحيوية من العالم؟
تبدو هذه الأسئلة ضرورية وملحّة جداً مع استئناف مفاوضات جنيف اليوم، وخصوصاً بعد الإعلان عن قرارين أميركيين مهمين:
أولاً – عندما اعلن أوباما بعد لقاء أركان قيادته العسكرية قبل أيام عن نيته إرسال 250 من القوات الأميركية الخاصة للمشاركة في مهمات تدريبية واستشارية في سوريا، وقد جاء ذلك في ظل أنباء عن ان القيادة الوسطى في الجيش الأميركي قررت إعادة إحياء خطتها تدريب خمسة آلاف مقاتل من المعارضة التي سبق لها ان فشلت فشلاً فاضحاً.
ثانياً – عندما أعلن سلاح الجو الأميركي إرسال قاذفات استراتيجية من طراز ” ب – 52″ لترابط في قاعدة عيديد في قطر، تعزيزاً لجهود التحالف الدولي ضد “داعش” في سوريا والعراق وان هذه الطائرات ستؤمن للتحالف دقة في العمليات العسكرية.
أمام هذا الموقف الأميركي المستجد، يجمع المراقبون في واشنطن على ان هناك تغييراً واضحاً في موقف أوباما المشكّك والمعارض لتسليح تنظيمات المعارضة السورية المعتدلة التي عاند منذ خمسة أعوام في وصفه اياها بأنها عبارة عن مجموعات من الهواة والفلاحين والأطباء الذين تسلل الى صفوفهم عدد من المتطرفين.
الوجه الثاني والأبرز للتغيير هو إرسال القاذفات الاستراتيجية الى قطر في ما يبدو محاولة استلحاقية للتذكير بأهمية العضلات العسكرية الاميركية وقوتها الساحقة والمتفوقة عندما تريد، وخصوصاً بعدما مضى بوتين بعيداً في استعراض القوة في الميدان السوري وفي إطار من التحدي السافر وربما المهين لأميركا، عندما طلب منها إخلاء الجو السوري في خلال نصف ساعة بعدما أطلق في أيلول الماضي ما سمّاه البعض “عاصفة السوخوي“!
ولكن يبقى أي تغيير في الموقف الأميركي منوطاً بالنتائج التي يفترض ان تظهر سريعاً إن على المستوى العسكري المتمثل بنمط العمليات التي ستنفذها القاذفات وبمدى صدقية الرغبة في تأمين دعم حقيقي ميداني للمعارضة المعتدلة، وسواء على المستوى السياسي في إطار مفاوضات جنيف التي تُستأنف اليوم، في ظل تحذيرات أميركية من ان ينهار وقف النار نتيجة عمليات التصعيد الأخيرة التي يقوم بها النظام مدعوماً من الروس والإيرانيين في حلب.
واضح تماماً ان هذا التصعيد يهدف الى فرض شروط النظام حيال البندين السادس والتاسع من ورقة دو ميستورا اللذين ينصان صراحة على عملية الانتقال السياسي.
النهار