واشنطن- رويترز- سعت الإدارة الأمريكية اليوم الجمعة لاحتواء تداعيات مذكرة داخلية مسرّبة حملت انتقادات لسياستها حيال سوريا، لكنها في الوقت نفسه لم تظهر أي استعداد لبحث فكرة غارات جوية ضد قوات الحكومة السورية طالب بشنها عشرات الدبلوماسيين الأمريكيين الذين وقّعوا على المذكرة.
وقال عدد من المسؤولين الأمريكيين إنهم لا يتوقعون من إدارة الرئيس باراك أوباما تغييراً في السياسة الخاصة بسوريا خلال الأشهر السبعة المتبقية من رئاسته، رغم تمسّكها بالاستماع لوجهات نظر دبلوماسيين معارضين.
وقال مسؤول بارز إن ما سيحسم إن كانت هذه المقترحات ستدرس على مستوى رفيع هو “اتساقها مع نوايانا بعدم وجود حل عسكري للصراع في سوريا”.
وسلطت الوثيقة، التي أرسلت عبر “قناة المعارضين” بوزارة الخارجية الأمريكية -وهي وسيلة للتعبير عن الآراء المعارضة على أن تبقى سرية- الأضواء على خلافات وخيبة أمل قائمة منذ وقت طويل بين مساعدي أوباما بسبب طريقته في التعامل مع الحرب الأهلية السورية.
واستندت سياسة أوباما حيال سوريا إلى الهدف المتمثل في تجنّب مشاركة عسكرية أعمق في مناطق الفوضى بالشرق الأوسط، وهي سياسة قوبلت بانتقادات تصفها بالتردد وتجنب المخاطر. وقصر أوباما التدخل على التركيز على قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وألهم متعاطفين معه لتنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة.
وتطالب مسودة من البرقية، وعليها توقيع 51 من مسؤولي الخارجية الأمريكية، “بشن غارات عسكرية موجهة” ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل وقف انتهاكاتها المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار مع فصائل المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة، وهو اتفاق تتجاهله سوريا وحليفتها روسيا بدرجة كبيرة. وعارضت إدارة أوباما ذلك لفترة طويلة.
وسارع منتقدو أوباما باستغلال البرقية التي تدعو أيضا لانتقال سياسي يطيح بالأسد من السلطة.
وقال إد رويس رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، المنتمي للحزب الجمهوري، “حتى وزارة الخارجية في إدارة أوباما نفسها تعتقد أن سياسة الإدارة الأمريكية حيال سوريا تفشل”، وأضاف “إيران وروسيا والأسد هم الذين يحركون الأوضاع في سوريا، متجاهلين وقف إطلاق النار وسامحين للأسد بمواصلة جرائم الحرب ضد شعبه”.
وفيما وصفها مسؤولون آخرون بأنها محاولة للحد من الأضرار التي سببتها سياسات الرئيس، قال مسؤول أمريكي بارز إن من الطبيعي “في قضية معقدة كالأزمة السورية أن تكون لدينا آراء متعددة، وهذا الخطاب يعكس ذلك”.
وقالت جين فريدمان، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن أوباما منفتح على إجراء “مناقشات حامية” بشأن سوريا، لكنها أصرت على أن المداولات الخاصة بفريق أوباما للأمن القومي بحثت مجموعة من الخيارات بعمق بالفعل.
وقال مسؤول أمريكي بارز سابق إن الكشف غير المصرح به لبرقية سرية من هذا النوع “يضر بالثقة بين الرئيس ومن يساعدونه”.
لكن من سربوا المذكرة ربما كانوا ينظرون إلى ما بعد عهد أوباما. وعلى سبيل المثال فالمرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة هيلاري كلينتون كانت من مساعدي أوباما البارزين الذين حثّوه على اتخاذ موقف عسكري أكثر صرامة ضد الأسد في مرحلة مبكرة من الصراع السوري.
“خط أحمر” لأوباما
في المقابل لفت مسؤولون أمريكيون آخرون الأنظار إلى خلو البرقية من توقيع أي مسؤول بارز بالخارجية الأمريكية، كوكلاء الوزارة أو مساعديهم أو السفراء.
وقال وزير الخارجية جون كيري، الذي يزور الدنمرك، للصحفيين اليوم الجمعة “هذا بيان مهم وأحترم هذه العملية جداً جداً.. ستتاح لي فرصة للقاء هؤلاء الأشخاص حين أعود (إلى واشنطن)”. وضغط كيري نفسه دون أن يحالفه التوفيق على أوباما لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الأسد.
وقال مسؤول بارز، طلب عدم نشر اسمه، إن الخطاب موجه لكيري، وبالتالي سيكون عليه التعامل معه، وسيكون له القرار بشأن “رفعه” لأوباما ومستشاريه البارزين.
ولم تتوقف المعارضة الداخلية، على الأقل منذ فاجأ أوباما كيري في أغسطس آب 2013- وكذلك وزير الدفاع آنذاك تشاك هاجل ومساعدين بارزين آخرين- بالتراجع عن شنّ غارات جوية كان قد تعهّد بها إذا تجاوزت قوات الأسد “خطاً أحمر” ضد استخدام الأسلحة الكيميائية. وقبل ذلك بتسعة أيام قتل هجوم بغاز السارين ما يصل إلى 1400 سوري.
وقال مسؤول سابق بوزارة الدفاع، شارك في وضع السياسة الخاصة بسوريا، “ذلك القرار دمّر أي مصداقية للإدارة لدى روسيا أو إيران أو الأسد نفسه”.
وقال مسؤول أمريكي، لم يوقع على البرقية، لكنه قرأها لـ “رويترز″، إن البيت الأبيض لا يزال على معارضته لمشاركة أمريكية أعمق في سوريا.
وأضاف المسؤول أن البرقية لن تغير ذلك الأرجح، ولن تخرج أوباما عن تركيزه على التهديد الذي يمثله تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأقرّ مساعدو أوباما في أحاديث خاصة بأنه حتى لو قرّر الرئيس اتخاذ موقف أكثر حزماً ضد الأسد، فإنها ستصبح عملية أكثر خطورة الآن بالنظر لوجود القوات الروسية خاصة طائراتها الحربية، التي تعمل الآن بشكل مباشر على دعم الأسد.
ومن شأن مثل هذه الغارات أن تضع الولايات المتحدة في صدام مباشر مع روسيا. وفي الوقت الراهن فقد أصبح موقف الأسد أقوى.
وفي موسكو قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إنه اطلع فقط على تقارير إعلامية بشأن المذكرة، لكنه قال “الدعوات لاستخدام القوة للإطاحة بسلطات في بلد آخر لا يرجح أن تلقى قبولاً في موسكو”.
وعند سؤاله عن المذكرة المسربة خلال زيارة إلى واشنطن قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للصحفيين”قلنا منذ بداية الأزمة السورية إن من المفترض أن يكون هناك تدخل أكثر حسماً في سوريا”.
وقال إميل هوكايم، العضو البارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن البيت الأبيض وضع الكثير من الثقة في نتائج العملية الدبلوماسية في سوريا، والتي وصفها بأنها “عرض جانبي”، وأضاف “البيت الأبيض ينظر باحتقار لمنتقدي سياسته في سوريا”.
وقتل ربع مليون شخص على الأقل في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ خمس سنوات، بينما شرد 6.6 مليون داخل سوريا، مقابل 4.8 مليون آخرين فروا من البلاد.