آخر المقترحات التي نقلها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الى «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة، تعيين الرئيس بشار الأسد ثلاثة نواب للرئيس للشؤون العسكرية والأمنية والمالية، اضافة الى تشكيل حكومة من «موالي الدولة والآخرين (اي المعارضة) والمستقلين»، الأمر الذي اثار غضب «الهيئة» وعبّرت عنه بأن اكتفت بتسليم المبعوث الدولي وثيقة، حصلت «الحياة» على نصها، وتضمنت ثمانية اسئلة ركزت على تشكيل الهيئة الانتقالية والإسراع في ذلك بعد مرور نصف المهلة المقررة لذلك، وهي ستة أشهر بموجب القرار 2254.
وفي موازاة، كثف مبعوث الرئيس الأميركي مسؤول الشرق الأوسط في البيت الأبيض روبرت مالي ومبعوث الرئيس الروسي الى سورية ألكسندر لابرنتييف محادثاتهما وراء الأبواب في مناطق مختلفة في جنيف وضواحيها بحثاً عن صفقة لـ «محاصصة سياسية» يمكن ان يحملها أوباما في جولته الخارجية بدءاً من الأربعاء قبل «عرضها» على ممثلي النظام و «قائمة منتقاة» من المعارضين السوريين القابلين بالحل السياسي.
وكان دي ميستورا التقى في جنيف مساء أول امس، الوفد الحكومي برئاسة السفير بشار الجعفري الذي ابلغ ملاحظاته على وثيقة المبادئ التي أعلنها دي ميستورا في نهاية الجولة الماضية وضمت 12 بنداً للحل السياسي. واعترضت دمشق في شكل رئيسي على حديث وثيقة دي ميستورا التي تعكس فهمه لمواقف الأطراف السورية، عن الانتقال السياسي باعتبار ان الحكومة ترى هذا غير دستوري. لذلك فإن الوفد الحكومي نقل استعداد دمشق لبدء عملية سياسية بناء على الدستور الحالي للعام 2012، ويشمل ذلك تشكيل حكومة موسعة تضم «موالين للدولة والآخرين والمستقلين» ثم تقوم هذا الحكومة بتنفيذ بندَي القرار 2254 وتتعلقان بصوغ دستور جديد وإجراء انتخابات خلال 18.
الجعفري، الذي حرص على التعامل بدقة واعتباره تقديم وثائق يعني الانخراط في التفاوض حول الانتقال السياسي، طلب من دي ميستورا نقل رأي المعارضة من تعليقاته على الوثيقة الدولية، اضافة الى ضرورة التزام «محاربة الإرهاب» و «دعم الجيش العربي السوري» ووقف امداد ودعم «الإرهابيين».
لكن المفاجأة، كانت في لقاء المبعوث الدولي مع وفد «الهيئة التفاوضية» برئاسة العميد أسعد الزعبي، اذ ان المبعوث الدولي نقل «اقتراحاً ليس اقتراحي الشخصي» الى المعارضة تضمن تعيين الأسد ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية للشؤون العسكرية والأمنية والمالية، بموجب الدستور الحالي الذي يسمع للرئيس بتعيين نائب أو اكبر وتحديد صلاحيات كل منهم.
وفي المادة 91 من الدستور الحالي، يحق لرئيس الجمهورية «أن يسمي نائباً له أو أكثر، وأن يفوضهم بعض صلاحياته»، فيما نصت المادة اللاحقة بأنه «إذا قام مانع موقت يحول دون متابعة رئيس الجمهورية ممارسة مهماته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية». كما نصت المادة 93 انه «في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن أداء مهماته، يتولى مهماته موقتاً النائب الأول لرئيس الجمهورية لمدة لا تزيد عن تسعين يوماً من تاريخ شغور منصب رئيس الجمهورية، على أن يتم خلالها إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وفي حالة شغور منصب رئيس الجمهورية ولم يكن له نائب، يتولى مهماته موقتاً رئيس مجلس الوزراء لمدة لا تزيد عن تسعين يوماً من تاريخ شغور منصب رئيس الجمهورية، على أن يتم خلالها إجراء انتخابات رئاسية جديدة».
وبقيت في الدستور لدى تعديله قبل اربع سنوات، مادة دستورية تعود الى منتصف الثمانينات عندما عين الرئيس حافظ الأسد ثلاثة نواب، هم رفعت الأسد للشؤون الأمنية ومحمد زهير مشارقة للشؤون الثقافية وعبدالحليم خدام للشؤون السياسية. وبعد إقرار الدستور العام 2012، ثبت الأسد في مرسوم نجاح العطار نائباً للشؤون الثقافية، فيما فقد فاروق الشرع منصبه كنائب للرئيس الذي عين فيه في بداية 2006.
وتضاربت الأنباء ازاء أصل طرح دي ميستورا مع «الهيئة» أول امس. وتردد ان الاقتراح جاء من دمشق بعدما ترددت أنباء عن تعيين شخصية أمنية رفيعة المستوى في منصب نائب الرئيس، فيما رجح آخرون أن الاقتراح مقبول من موسكو التي ابلغت واشنطن اكثر من مرة ان «تنحي الأسد يعني انهيار المؤسسات، يضاف الى ان ايران ترفض ذلك مطلقاً». ونُقل عن مسؤول روسي اقتراح بتعيين خمسة نواب للرئيس، بحيث يصبحون بمثابة مجلس رئاسي، الاقتراح الذي يشبه مبادرة كان نقلها وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الى دمشق بتشكيل مجلس رئاسي مختلط بوجود الأسد.
وقوبل الاقتراح بانزعاج من وفد «الهيئة» اضاف انزعاجاً على خلفية تكثيف العمليات العسكرية قرب حلب وعرقلة المساعدات الإنسانية. وقال رئيس وفد «الهيئة» اسعد الزعبي إن «النظام بعث برسالة قوية مفادها بأنه لا يريد الحل السياسي لكنه يريد الحل العسكري الذي سيؤدي إلى تدمير البلاد بالكامل»، لافتاً الى ان التعديلات التي قدمها وفد الحكومة في شأن المبادئ الأساسية للحل اظهرت أن دمشق ليست جادة في الحل السياسي وأنها «منفصلة عن الواقع». وبدأت «الهيئة» بعد وصول منسقها العام رياض حجاب تلوّح بالانسحاب، ما استدعى تدخلات من المبعوث الأميركي مايكل راتني لعدم حصول ذلك. وكتب حجاب على صفحته في «فايسبوك» أمس: «نناقش في جنيف شيئاً واحداً فقط، هو تشكيل هيئة حكم انتقالي خالية من الأسد».
ثمانية أسئلة
في المقابل، سلم الزعبي الى المبعوث الدولي وثيقة من صفحتين حصلت «الحياة» على نصها، وتضمنت ثمانية اسئلة عن مدى تنفيذ القرار 2254 خصوصاً ما يتعلق بالبعدين الإنساني والسياسي ووقف العمليات العسكرية. وأفادت: «تقدمت الهيئة بورقة تبين مبادئ الحل السياسي ولم تتلق أي اجابة حتى هذه اللحظة على رغم طلبنا المتكرر. وتقدمت الهيئة بمذكرة تبين الإطار التنفيذي للمرحلة الانتقالية ولم تتلق اي اجابة. ماهي الخطوات العملية لبدء الانتقال السياسي وفق بيان جنيف والقرار الدولي 2118 الذي يعتبر الأساس القانوني والمرجع للعملية التفاوضية؟». وختمت في المادة الثامنة: «ورد وفق الفقرة 2254 الذي يعتبر اساس العملية السياسية الجارية الآن، ان إقامة الهيئة الانتقالية الحاكمة يجب ان يتم خلال ستة اشهر. ومضى منها اكثر من ثلاثة أشهر، هل وافق النظام على الانخراط الجدي في هذه العملية والالتزام بإقامة الهيئة الحاكمة خلال المدة المتبقية من المهلة؟». وأرفقت «الهيئة» الوثيقة بملحقين عن انتهاكات الهدنة والمناطق المحاصرة.
وفي الجولة السابقة، سلمت «الهيئة» الى المبعوث الدولي وثيقتين، حول جدول المفاوضات ومبادئ التسوية، تمسكتا بتشكيل هيئة انتقالية ضمن برنامج زمني و «رفض أي ترتيبات مقبلة سواء في المرحلة الانتقالية أو بعدها للأسد» مع التمسك بـ «إعادة هيكلة وتفكيك» بعض مؤسسات الجيش والأمن.
وفي مقابل تركيز الوفد الحكومي على الحكومة الموسعة بموجب الدستور الحالي كي لا يحصل فراغ دستوري وسياسي، تتمسك «الهيئة» بتسلسل سياسي آخر يبدأ بتشكيل هيئة انتقالية تصوغ دستوراً جديداً. وبرّر دي مستورا اقتراح تعيين ثلاثة نواب للأسد، بضرورة ردم الفجوة بين موقفي الحكومة والمعارضة. وقال الناطق باسم «الهيئة» سالم مسلط لـ «رويترز» ان «الهيئة» على استعداد لتقاسم مقاعد في هيئة حكم انتقالية مع أعضاء من الحكومة السورية وديبلوماسيين وتكنوقراط «شرط تنحي الرئيس الأسد عن السلطة وأن الأوان قد حان لمناقشة الانتقال السياسي»، في وقت نقلت وسائل اعلام روسية عن وزير الإعلام عمران الزعبي إن «مستقبل الأسد ليس محل تفاوض لا في جنيف ولا في أي مكان آخر وأن مصير الأسد يجب أن يقرره الشعب السوري في إطار عملية ديموقراطية وإنه لن يناقشه مع أي طرف آخر أبداً»، علماً ان الأسد اشار قبل اسبوعين للمرة الأولى الى استعداده لانتخابات رئاسية مبكرة.
وليس بعيداً من مقر الأمم المتحدة في جنيف، تجرى مفاوضات غير معلنة بين مبعوثين للرئيسين الأميركي والروسي لعقد صفقة للحل السياسي في سورية وصوغ مبادئ دستورية وسياسية للحل، تقوم على مبدأ «المحاصصة السياسية» اقرب الى «النموذج اللبناني المعدل»، وفق مسؤول غربي. وقال لـ «الحياة» ان المفاوضات تتناول تشارك السلطات بين الأسد والمعارضة المتعلقة بالسلطات التنفيذية والعسكرية والأمنية والتشريعية والقضائية والبروتوكولية، لافتاً الى ان مسؤول الشرق الأوسط في البيت الأبيض روبرت مالي سيعود الى واشنطن لإطلاع اوباما على نتائج المفاوضات مع مبعوث الرئيس الروسي، بحيث يعرض الرئيس الأميركي المقترحات على حلفاء اميركا الإقليميين والدوليين خلال جولته في الخليج ولندن، على أمل انطلاق التسوية قبل دخول اميركا في «السبات الانتخابي» في الصيف المقبل.
ويتوقع ان يطلع الجانب الروسي رئيس «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على تصوره للحل السوري، في وقت تفضل طهران دعم القوات النظامية خصوصاً في معركة حصار حلب. وقال المسؤول: «ايران اعلنت عن ارسال قوات نظامية الى حلب كي تقول ان لا حل من دون موافقة طهران».
وفي حال جرى التفاهم الأميركي – الروسي والحصول على دعم الحلفاء، ستسعى واشنطن وموسكو الى صوغ ذلك في مبادئ دستورية وصفقة سياسية ثم اختيار قائمة من المعارضين القابلين بالحل السياسي لجمعهم مع وفد الحكومة في الجولة المقبلة او ما يعرف بـ «جنيف -4» الذي سيكون مختلفاً عن الجولات السابقة. وهي أمور ستثير تساؤلات لدى استئناف دي ميستورا محادثاته غداً مع الأطراف السورية.
الحياة