في بيت طيني عجنت فيه غبار طرق غربتها بدموع الهجران شرّعت بابه لأفق الجنوب لعلّ حمامة ترف من صوب بلدها تشعر لحالها.
في الكوخ الذي تقاسمت ملامحه ما تبقى من ذكرى منزلها ووردة جورية توشوشها عن ضرورة الرؤى الواضحة لدروب الحياة ومن نافذته المطلّة على شرفات أوجاعها وأفق حلمها بعودة كريمة إلى وطنها.
زيارة أولى
_لم استطع المكوث لأكثر من فنجان قهوة صنعه ابنها الأوسط، دموعها تسفّ قهري بما اقترفته بعد ان أطرقت مسامعها بصياح بعيد ظنت-هي- أنه ابنها الذي لم يتحاوز الصف التاسع ولكنه تجاوز نخر الفقر بالتحاقه بدورة شرعية ليتمكن بعدها من مسك مفتاح الجنة وزناد بندقية .
لا تمازح حتى ولو ابنك فالمصائب عندنا هطولة.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/460968595831900/?extid=WA-UNK-UNK-UNK-UNK_GK0T-GK1C&ref=sharing
فقد
استشهد، نعم، استشهد أكبرهم، ضممتُ الثياب وبكيت في أحضان الثياب التي أنتظر صاحباتها، ربما يرجعن بناتي بعودة طوعية من تركيا، من برد بعيد عن أحضاني.
واصفة ابنها
كان شديد الحساسية لرفاقه، أذكر لم أره لعيدين بعدما أراد البعض من رفاقه أن يحصلوا على اجازة يعفّرون الفرح من عيون أمهاتهم حمل بندقيته واتجه لمحرسه، تبعه واحد _ اثنان _ ثلاثة _ عشرون، بكت البنادق ولم يتفوه أحدهم، وقرأ الوطن الفاتحة على أرواح أمهاتهم.
أعياد على اطلال ارواحنا
-في يوم الفطر السعيد، يوم انفطر قلبي من الحزن، صلّيت الفجر والدعاء ينخر قلبي، أخرجت ثياب الغائب في أوربا، تخطيتُ الخزانة الثانية، في الثالثة بقايا ألعاب ابنتها المدللة أخرجت لعبة حاولت أن تقربها من قلبها، ووسدتها بما تركت من ثياب.
أسندت رأسها على الخزانة الأخرى، ابتسمت، زغردت، بكت، واخرجت لباساً عسكرياً تفوح منه رائحة الدم ، عادت لوعيها بعودة زوجها من الصلاة، قبلت جبينه وكل عام وهو بخير.
العمل
لبست ثوبها الأسود بعد أن غطى البياض وجوه أولادها الثلاثة الصغار بفرحهم بعودة المدارس ، تأكدت من دخولهم الصف، وأسرعت، بعد أن أسدلت خمارها على وجهها متخفية من عيون – عدسات – بوستات – المجتمع.
دخلت قبواً فيه عدة نساء، بدأت بتقشير البطاطا، ومدير المطعم الميداني يتفقد السيارات لنقل الطعام إلى جبهات القتال، خطر ببالها ترى من التي أعدت الوجبة الأخيرة لابني في خندقه، وهل أكلها أم أنها مازالت هناك، غسلت البطاطا بدمعها وأكملت.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/902611191129318
ولف مات وولف راح
أدمنتْ قهرها، ولاحظتْ في محاجري لمعة الدموع، أرادت أن تغني لعلّها تحرق آهاتنا ببحة الموال ، فوقفت كالزبّاء على أسوار بيزنطة بأنفٍ أحدبٍ وخصرٍ نحيلٍ كتعليل مسرح الهزيمة.
تسمع خلخال جاريةٍ نسجت شالاتَ من ينتظرن محاربي عظمتها أرجوحةً تدلت من قنطرةٍ يتكئ عليها قوس قزح وعلى أعمدتها يتنشف التاريخ من ماء ولادته وبكاء ينذر بفلسفة الموت والولادة
الصوت المنكبّ على روايات طائر الفينيق يحمل كلّ ما أوتيتُ وحي وكل ما يختلج من أسئلة الفضول بدمعة بين دروب القهر التي حفرتها على خدودها، أخرجت صوتًا بعيدًا بعيدًا بعيدًا جاء من مطالع الحزن
على الله تعود بهجتنا والأفراح
وتغمر دارنا البسمة والأفراح
قضينا العمر ولف ضل وولف راح
وضاع العمر هجران وغياب
كمن يجرّ على الماء نايات الأغاني القديمة، قالت قبل أن أبكي على عتبات كوخها مودّعاً
لشدّ ما أكرهك أحبك يا وطني ولكن لن أتغطى إلا بلحافك.