المركز الصحفي السوري – علي حاج أحمد
يحل عيد الأم على الأمهات السوريات كما حل عليهن منذ أربع سنوات مضت، وقد أثقلته الدماء التي نزفت من أجل الحرية و الكرامة التي ناشدها السوريون منذ 15 من مارس /آذار عام 2011، يعود العيد بمزيد من الأسى و الفقر والتشرد الذي تكابده الأمهات منذ بدء الأحداث الدامية في سوريا.
إن الشعب السوري قاسى الكثير من الويلات بسبب الأحداث، فلا توجد أم سورية واحدة إلا وقد نكبت، إما بشهيد أو معتقل أو جريح،عدا عن مأساة النزوح الذي كابدته الأم السورية خلال الأعوام الماضية, باختصار يمكن القول أن مصاب الأمهات السوريات أقل ما يعبر عنه أنه “جلَل”.
“عائشة” أم لعائلة فقيرة مكونة من ثلاثة أبناء و أربعة بنات، كان أحد أبنائها يعمل في جهاز الأمن الداخلي السوري قبل الثورة، وعندما اندلعت الثورة في 2011 رفض ممارسات النظام القمعية للمتظاهرين، لم يخن ضميره وآثر أن يحفظ كرامته، حاول الانشقاق منذ بداية الأحداث، إلا أن يد الغدر وشت به، اعتقله النظام المجرم في حلب و بقي في غياهب السجون ما يزيد عن عام لا يعرف عنه أهله شيئاً
لم تترك عائلته سبباً إلا و قد تعلقت به لتعرف شيئاً عن مصير ابنهم، كان والد الشباب عاجزاً، و كانت أمه هي من حاولت بكل السبل أن تصل لخبر عن ابنها المعتقل منذ عام، كانت تتحمل أعباء السفر إلى حلب و دمشق من أجل ابنها المعتقل، دفعت العائلةكل ما تملك كرشاوى للضباط والقضاة ضمن النظام.
عرفت الأم مكان اعتقال ابنها، تكبدت عناء كبيراً و معاناة شاقة للوصول إلى خبر عن ابنها، تمكنت من زيارته، كانت فرحتها كبيرة وكأن ابنها قد ولد من جديد، كان شعورها لا يوصف، رأت فلذة كبدها بعد عام من انقطاع أخباره، أشرق وجه الأم “عائشة” من جديد، فابنها المعتقل ما زال حياً، لكن الغصة ما زالت، فهي تتمنى ابنها خارج غياهب السجن، بقيت تزوره في المعتقل في مدينة دمشق طيلة عام كامل.
قام النظام باعتقال 265 ألف سوري منذ بداية الأحداث، وهناك أكثر من 110آلاف شخص في عداد المفقودين، وذلك حسب أخر حصيلة نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان مطلع عام 2015، هذه الأسماء موثقة بالاسم، والرقم الحقيقي قد يكون أضعاف ما تم توثيقه.
الأم “عائشة” وبعد اكثر من عامين من اعتقال ابنها في سجون النظام، فاجأها النظام بخبر عدم السماح لها بزيارة ابنها، ارتابت الأم من ذلك، رجعت وهي تقول بالعامية:” على الله…ما باليد حيلة”، فقد منعها النظام من زيارة ابنها،بقيت ممنوعة من زيارته عاماً آخر لا تعرف عنه شيئاً، لكن قلبها لم يكن مطمئناً لما حدث.
لم تنفع كل المناشدات الدولية ، من التأثير على سياسة النظام في اتباع أساليب مروعة في التعذيب والتنكيل بالمعتقلين، وكانت كل مبادرة دولية بدءاً من مبادرة كوفي عنان إلى جنيف1 إلى اقتراحات المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بشأن حل الأزمة السورية وصولاً لمبادرة جنيف2، تنص على الإفراج عن المعتقلين، لكن النظام كان يضرب بكل المناشدات الدولية عرض الحائط.
انتظرت الأم “عائشة” خبراً عن ابنها، حتى جاءها نبأ من أحد المعتقلين معه، عندما رأته اصفر وجهها، أخذ قلبها يتسارع، رجلاها لم تعد تحملانها، ما كانت تخشاه قد حدث ،لقد تم تصفية ابنها في المعتقل، خرجت و هي تقول بعبرة تغشاها : “ولدي، ولدي، قتلوه..قتلوه”، لم تستطع سماع الخبر، بكت بكاء شديداً، جهر الجميع بالبكاء عند سماع الخبر، أولادها و بناتها حاولوا التخفيف عنها، تمنت لو أنها عاشت العمر كله على أمل أن يكون ابنها على قيد الحياة، لكن خبر موت ابنها سبق أملها، كان عليها أن تتقبل هذا الخبر بصبر و جلد، لأن ابنها كان واحداً من عشرات ألاف الشبان السوريين الذين قضوا في سجون النظام تعذيباً و تجويعاً، وهو ما خفف عن الأم “عائشة” مصابها الجلل.
العالم يحتفل بعيد الأم في 21 مارس آذار من كل عام، لكن الأمهات السوريات يردن أن يحتفلن بأن يمضي يوم واحد في سوريا دون فقد ابن أو أخ أو زوج, يبقى الأمل حاضراً بأن يكون المستقبل القريب أفضل مما هو عليه الآن.