استقبلت ألمانيا العام الماضي مهاجرين أكثر مما استقبلته أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي.ويتوقع محللون أن يكون نجاحها أو فشلها في حملة دمج المهاجرين في المجتمع أمرا حاسما في أسلوب تعامل أوروبا مع أكبر أزمة هجرة تشهدها القارة منذ الحرب العالمية الثانية، والتي فرضت ضغوطا كبيرة على أجهزة الأمن والنظم الاجتماعية، وعززت شعبية الأحزاب المناهضة للهجرة.
والأربعاء الماضي أقر مجلس الوزراء الألماني قانونا لدمج المهاجرين ووصفته المستشارة أنجيلا ميركل بأنه علامة بارزة.
ويشترط القانون على المهاجرين البالغين ممن ليست لهم وظائف وأمامهم فرصة كبيرة للبقاء في البلاد حضور دروس لتعليم اللغة الألمانية، بالإضافة إلى حصص لـ”التوجيه” الثقافي تنتهي بخوض اختبار “الحياة في ألمانيا”. ولن يصبح القانون الجديد ساري المفعول إلا بعد موافقة البرلمان عليه.
ويؤكد مراقبون أن القانون الجديد سيمثل بالنسبة إلى الكثير من الوافدين الجدد إلى ألمانيا، والذين تجاوز عددهم المليون في العام الماضي، عنصرا مهما في تحديد ما إذا كانوا سيحصلون على المساعدات التي ستتيحها الدولة لهم ويأملون في أن تفتح لهم باب الحياة الجديدة في البلاد.
وعلى الرغم من التفاؤل الكبير الذي أبدته أوساط سياسية في فرص نجاح القانون الجديد في دمج المهاجرين، فإن حملة الإدماج تواجه عقبات كبيرة.
فقد قال عدد من خبراء التعليم والمدرسين والمهاجرين لوسائل إعلام إنه لا توجد أماكن كافية في فصول تعليم اللغة أو ما يكفي من مدرسيها.
وقالت بعض المدارس إن مستوى اللغة الألمانية الذي يتعلمه المهاجرون لا يرقى إلى المستوى الذي يتوقعه الكثيرون من أصحاب الأعمال من العاملين من ذوي المهارات.
كما قال بعض المهاجرين إن دورات التوجيه ليست كافية لسد الهوة الثقافية رغم أنها مفيدة في بعض جوانبها.
وقد استفاد محمد اللاجئ السوري الذي يعمل متدربا في شركة للخدمات الضريبية من بعض عناصر الدورة الثقافية مثل دليل لشرح بيانات الأجور والاستقطاعات الضريبية وكذلك دروس التاريخ عن عهد النازي والشطر الشرقي من ألمانيا الذي كان تحت الحكم الشيوعي سابقا، غير أن محمد (28 عاما) الذي وصل في أواخر العام 2014 قال إنه اضطر للانتظار حتى أكتوبر عام 2015 لبدء فصول دراسة اللغة وإنه عانى مما وصفه بأنه “صدمة اللغة”.
وقال محمد “أتمنى لو أتيحت لي فرصة تعلم اللغة الألمانية قبل ذلك. فعلى مدى 10 أشهر لم أكن أفعل شيئا. لو أنني تمكنت من الاستفادة من هذا الوقت لكانت لغتي الألمانية أفضل بكثير الآن”.
والمخاطر كبيرة بالنسبة إلى ألمانيا، فمن الممكن أن يؤدي القرار الذي اتخذته ميركل في العام الماضي لفتح الباب أمام أعداد قياسية من اللاجئين إلى تجديد شباب قوة العمل التي يتزايد أعداد كبار السن فيها.
لكن كلما طالت الفترة التي يتعلم فيها المهاجرون اللغة ويكتسبون المؤهلات، زادت الضغوط على الاقتصاد والمجتمع.
وقد ساهمت سياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجتها ألمانيا في وقت سابق تجاه اللاجئين في تعزيز وضع حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف المناهض للاجئين، فحقق نتائج قوية في الانتخابات الإقليمية هذا العام.
وينص مشروع القانون الجديد على أن المهاجرين الذين يتعين عليهم حضور الفصول الدراسية ولا يشاركون فيها، ستخفض مساعدات الدولة لهم إلى أدنى حد ممكن.
وقالت أندريا نالز وزيرة العمل إن حجم التخفيضات في المساعدات سيتوقف على كل بحث حالة على حدة.
ويحصل طالبو اللجوء على 354 يورو شهريا خلال الخمسة عشر شهرا الأولى لهم في ألمانيا ويصل إلى 404 يورو بعد ذلك أو بمجرد التأكد من أحقيتهم في اللجوء.
كما تدفع السلطات مصروفات الإقامة والتدفئة لهم خلال الفترة التي يتاح لهم فيها التقدم بطلبات اللجوء. ويبلغ متوسط الأجر الشهري الكامل للعاملين كل الوقت في ألمانيا أكثر من 3600 يورو.
وثمة حالة من البلبلة الشديدة بين الكثير من الألمان عن العواقب التي ستترتب عن طوفان اللاجئين الذي أعاد للأذهان ذكريات وصول الملايين من العمال الأجانب لا سيما الأتراك الذين ساعدوا في إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية. فلم يبذل جهد لدمجهم في المجتمع وانتهى الحال ببعضهم بالإقامة في أحياء خاصة بهم الأمر الذي يقول بعض الألمان إنه غذى التوترات بين طوائف المجتمع. وقد حذر الرئيس يواكيم جاوك الذي نادرا ما يتدخل في السياسة من أخطار فشل حملة دمج المهاجرين الحالية في المجتمع.
وقال الشهر الماضي “نحن نجازف بتحول مشاعر الإحباط والملل إلى العنف والجريمة أو بازدهار التطرف السياسي أو الديني”.
وقالت متحدثة باسم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إن ألمانيا تنظم دورات الدمج في المجتمع منذ عام 2005 وكان الكثير من المشاركين فيها مهاجرين من دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي جاؤوا بحثا عن عمل، وذلك حتى نوفمبر من العام الماضي عندما سمحت السلطات لطالبي اللجوء القادمين من سوريا وإيران والعراق وأريتريا بالحق في حضورها.
ويقر فرانك يورجن فايسه رئيس المكتب بالتأخيرات في بدء دورات الدمج، ويتسلم المكتب حوالي 2500 طلب يوميا من طالبي اللجوء الذين تنطبق عليهم الشروط للانضمام إلى الدورات التي تصل فترة الانتظار لقائمة طالبيها إلى 8 أسابيع في الوقت الحالي.
لكنه قال إن المكتب يعمل على إتاحة أماكن إضافية للاجئين. ويتمثل جزء من المشكلة في أن المدارس لا تجد الأعداد الكافية من المدرسين.
وقالت سيمون كاوشر المتحدثة باسم الجمعية الألمانية لتعليم الكبار والتي توفر 40 في المئة من دورات الدمج، إن المدارس التي تمثلها الجمعية لا يمكنها تلبية الطلب بسبب عجز يصل إلى 5000 مدرس، وحتى بعد أن يضمن اللاجئ مكانا في الدورات تظل التحديات كبيرة.
العرب